عبدالقادر رالة *
وقفَ هشام عند عتبة الباب ، وقال بحزن، محاولاً أن يبتسم:
ــ أريد أن أقول لك شيئاً، لكن لا تسخر مني!
اندهشتُ فزميلي حزين، وعيناه ذابلتان...
ــ منذ مدّة وأنا أشتهي أكل العنب.. اشتهاء لا يمكن وصفه أو التعبير عنه.. واليوم اشتريت غرامات من عند الفاكهاني سي عبدالقادر، نصف رطل أو أقل، عنقود صغير.
أردتُ أن أنظفه بماء الحنفية عند المغسل، ثم تذكرتُ أني نسيت أن آتي بطبق صغير أضعه فيه، فوضعتُه وعدتُ سريعاً إلى غرفتي، بضعة أمتار في ثوانٍ قليلة.. وحينما رجعتُ لم أجده، سرقوه، وتركوا الكيس البلاستيكي الأسود.. التفت يميناً وشمالاً، الهدوء يطبق على المكان؛ هدوء يُؤكد لك أن لا أحد مرّ من هنا!...
لقد آلمني ذلك كثيراً...
قلتُ غاضباً:ــ ولماذا لم تخبرني في اللحظة، كنت سأنادي عليهم، وأجمعهم حتى نكشف السارق النذّل..
صمت ثم ما لبث أن قال: كلهم بالغون... أصغرهم يبلغ عمر خمسة وعشرين سنة.. وبعضهم ذو مستوى دراسي معتبر...
آه... آه... هذا العنب كنتُ أشتهيه منذ مدّة طويلة...
قلتُ في نفسي: هكذا هم الناس أو أغلبهم، فهؤلاء الزملاء الذّين يتحدث عنهم زميلي هشام، يوميا نتحلق حول كؤوس الشاي والقهوة في البهو، نثرثر بصوت قوي عن اللصوص الكبار الذّين التهموا البلاد..
ابتسمت وقلت لزميلي: انسَ الأمر.. لا تدع أمراً تافهاً يعكر مزاجك.
ابتسم هو أيضا ًوقال بأنه سيحاول أن ينسى ويسامح من أخذ العنب...
أمضيتُ بعد ذلك اللقاء شهرين وأنا أتفرس في وجوه زملائي منهم الضاحك المثرثر أو العابس المُقطب لعلي آهتدي إلى سارق العنب الذي آحزن زميلي الأثير هشام...
* كاتب وقاص من الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.