عبدالقادر رالة: طيش - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الجمعة، 28 أبريل 2023

عبدالقادر رالة: طيش

 

عبدالقادر رالة


عبدالقادر رالة *

هذا هو قادة صورة دقيقة عن أبيه مصطفى! في ما يتصف به من شجاعة، وعدم الخوف من أي شخص، مهما كان ضخماً أو سيئاً...

كان مصطفى أشجع وأقوى رجل في مدينتنا الصغيرة، ويليه عبد الواحد... كان ذلك في نهاية السبعينات، وسنوات الثمانينات والتسعينات بأكملها.. اشتهر مصطفى برأسه الخشن الذي تشبه ضربة منه ضربة بقطعة حديدية فولاذية...

كان مصطفى وعبدالواحد يسيطران على مجالس الليالي الصيفية، وعلى طاولات الدومينو أو الورق، والمقاهي وفي السوق الأسبوعية. والأمر العجيب الذي حير الناس من سكان مدينتنا الصغيرة أن عبدالواحد لم يتحدَّ مصطفى، ولا مصطفى استفزه، فكل واحد منهما ترك مسافة بينه وبين الآخر، وإنما احتفظ كل منهما بمنطقه نفوذه وبشلته وبالأحياء التي يسيطر عليها.. لم يُشاهدا واقفين مع بعضهما أو جالسين يتحدثان..

ومصطفى يقولون إن شقاوته وشجاعته ورأسيته الخشّنة المؤلمة تعود إلى أيام قبل الاستقلال، إذ كان لأولاد المعمرين نصيب من ركلاته ولكماته ورأسيته المؤلمة، ولم ينته ذلك إلا مع نهاية التسعينات إذ مست قريتنا بعض التغيرات التي تزامنت مع تقدمهما في السن، واتجاه كل واحد منهما نحو التعقل والابتعاد عن الطيش، والاهتمام بالأسرة والأولاد! ففي مدينتنا الصغيرة تكوين أسرة يتعارض مع الطيش!

ولأن الابن سر أبيه أو ذاك الشبل من ذاك الأسد كما تقول الأمثال وما أكثرها، فإن ما شاهدته الأمس وأنا واقف في الطابور أمام المخبزة يؤكد هذا المثل.

ستة شبان، واحد منهم، فقط يماثله في السن، أما الآخرون كلهم فأكبر منه سناً، يبدو ذلك من ملامحهم وهيئتهم.. طرح اثنين أرضاً، أما الثالث فضربه برأسية قوية أثار صوتها كل الواقفين في الطابور، فسال الدم من أنف خصمه فأرهبه، وجعل الآخرين يتراجعون، حتى إنهم لم يسعوا إلى مساعدة صديقهم الذي أخرج منديلاً أبيض من جيب سرواله الرياضي...

همس أحد الواقفين أمامي قائلاً: هذا لا يستطيع هزيمته إلا ولد مصطفى أو ولد عبدالواحد.

ـــ هذا هو قادة ابن مصطفى.

ــ قل.. والله.. مثل والده الشجاع.

وتدخل ثالث: نعم.. مثل والده الطائش سيئ الأخلاق!... وليس الشجاع...

ـــ لا يمكن أن تصفه بالطيش.. ألم ترى أنه تعارك مع ستة نفر! لم يفر... لم يتذلل إليهم!...

صمت ثم قال: بعضنا لا يعرف هذا الشاب، لكننا جميعا نعرف مصطفى والده، منذ أيام الزمن الجميل الرائع، كان طائشاً لكنه كان يكره الظلم، وكل الزمن الذي عشته في هذه المدينة الصغيرة لم أسمع بأنه تعارك مع شخص أضعف منه..

قلنا في آن واحد: نعم... نعم... لم يحدث ذلك أبداً... لا هو ولا عبد الواحد!

* كاتب وقاص من الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.