أحمد حمزة: قصة قصيرة: مدقق لغوي - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الثلاثاء، 16 مايو 2023

أحمد حمزة: قصة قصيرة: مدقق لغوي



أحمد حمزة *

كلية القمة هي قمة لمن هم في الأساس قمة، لكن لي كانت قاعاً..

التحقت بكلية الإعلام وكنت من العشر الأوائل على محافظتي.. ونلتُ تكريماً من المحافظ، واحتراماً من أهل قريتي بما حققت، وحزتً نظرات الفخر في عيون أسرتي.. إلخ.. كلها أسباب جعلتني أكتفي من النجاح أو على أقل تقدير أطلب العلم كي أظل موضع فخر، ومضرب المثل في قريتي، لكن ''طلب العلم من أجل الفخر طلب زائف".

بعد أول ثلاث سنوات لي في كلية الإعلام لم أجد وظيفة في الصحف ولا وكالة الأنباء أو حتى القنوات فضائية.. والمحافظ لم يعد يردّ على اتصالاتي، وعلمت بعد ذلك أنه لم يعد يشغل وظيفة المحافظ.

ما العمل حالياً؟ أريد دخلاً أنفق منه على مصاريفي الجامعية.

أذكر صديقاً لي مجموعه في الشهادة الثانوية أدخله كلية التربية، وعمل في التدريس من أول سنة له في الكلية.

الآن يكتب في إعلانه "العدد محدود؛ بادر بالحجز".. ودخله يفوق دخل أساتذة جامعيين عندي في كلية القمة هذه! أي قمة بعد ذلك إذن؟

سأعمل في التدريس؛ مادمت بلا وظيفة في مجالي، لكن أظنني تأخرت في قراري هذا؛ الجميع أصبحوا الآن مدرسين وعملوا بالتدريس.. أو بالأحرى نزَّلوا إعلان "بادر بالحجز".

رأيت أحد الإعلانات بالأمس لصديق تخرج في كلية خدمة اجتماعية.. سيبدأ تدريس مواد الشعبة الأدبية، وآخر في الحقوق.. وآخر طبيب!

فعدلت عن فكرة التدريس و(بادر بالحجز).. واستمريت في البحث عن وظيفة في مجالي، حتى وجدت إعلاناً يطلب "مدققاً لغوياً".. بمرتب يسد متطلباتي أو بالأحرى ضرورياتي!

وذهبت وحين علم أني أدرس في كلية الإعلام سعد! وعلق بصوت خافت (عز الطلب).. لم أفهم لكني فرحت لفرحه.

الغريب أن من المتقدمين معي من هم خريجو آداب ودار علوم وألسن وتربية، لكن ربما لم يكتبوا "بادر بالحجز" في إعلانهم لذا تقدموا للوظيفة معي.

هم أكفأ مني إذن لمثل هذه الوظيفة.. فلماذا أنا؟

لكني مرة أخرى فرحت وتذكرت كليتي كلية القمة، ومجموعي في الثانوية وأخذت أتصور مرتباً مكوناً من خمسة أرقام.. وبدأت العمل والمرتب عبارة عن عمولة على عدد الصفحات.

أول عمل كان مقالاً اعتقدت وقتها أنه موضوع تعبير لطفل في الابتدائية.. وصححت ما فيه من أخطاء أسلوبية وإملائية ونحوية.. لكن تدقيقي لم يمحُ الركاكة في أسلوب موضوع التعبير المتنكر هذا.

وأرسلته إلى مديري في العمل وأظنه لم يعجبه ما فعلت، لكنه أسمعني جملة محببة إليّ كثيراً (عدي على الخزنة).. وفي اليوم التالي أرسل لي مقالاً أيضاً لطفل لم يتعلم مهارات الكتابة بعد.. وراجعته وأرسلته منتظرا العبارة المحببة إلى قلبي (عدي على الخزنة).. لم يقلها، وأظهر الامتعاض على وجه، وبدأ يشرح لي طبيعة العمل تحديداً.. حاول الالتفاف هنا وهناك، وتظاهرت بعدم الفهم حتى يأتي بما عنده من دون خداع مرة أخرى.. 
(يجيب من الآخر)..

أخبرني حينها أن ما يُرسل لي من مقالات يحتاج إعادة صياغة كاملة، وليس تدقيقاً لغوياً وحسب.. صياغة كاملة..

سألته عن السبب.. رجع إلى الالتفاف مرة أخرى وأخبرني أن المقالات لشباب مازالوا في أول طريق مهنة الصحافة، ولأصحاب مواقع ومدونات مبتدئين يعطوننا تصوراً عما يحبوا أن يكتبوه.. ونحن نكتب.

تظاهرت بالتصديق بعدما قال (عدي على الخزنة)..

ذات يوم وقع تحت يدي مقال ركيك لم أفهم ماذا يُراد منه، ولم أجد موضوعاً محدداً يدور حوله.. وتحته إمضاء لصحفي يُشار إليه بالبنان.. صحفي مقروء ومسموع ومنظور أيضاً..

فهمت القصة بعد ذلك، وبالغت في طلب العمولة.. وفرحت عندما ينشر مقال لي باسم الصحفي المشهور، وأحياناً كثيرة أحب اللعب؛ فأقوم بتغير موضوع المقال كلياً، والعنوان أيضاً على أمل أن يعاند، ولا ينشر.. لكن هيهات..

ما يُذهلني حقاً وأود أن أراه حتى أرفع له القبعة.. الشخص الذي نزّل إعلان "المدقق اللغوي".. فنان هذا الشخص.. أظنه درس التسويق بل تشرّبَه..

وفي يوم أغبر، لم تشرق له شمس.. طلبت زيادة مرتبي للضعف؛ متفاخراً بما أكتب وينشر لكن رُفض طلبي، وبعدها بيومين تقرر فصلي من العمل..

ذهبت أتحقق من الخبر، لكن مديري رفض أن يقابلني، فعلمت أنني طُردت حقاً بلا رجعة.

لا مشكلة سأبحث عن وظيفة مدقق لغوي أخرى..

* طالب جامعي، تخصص لغة ألمانية، له مدونة باسم "كاتب بيفك الخط"، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.