عبدالعليم مبارك: مسلسلات الصعيد بين التشويه والإثارة - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأحد، 28 أبريل 2024

عبدالعليم مبارك: مسلسلات الصعيد بين التشويه والإثارة




عبدالعليم مبارك *

تلقى في السنوات الأخيرة المسلسلات الصعيدية نجاحات متوالية في أوساط الجمهور المتابعين لها، ما يُفسر تهافت وإقبال المنتجين على إنتاج هذا النوع من الدراما، وتتميز المسلسلات الصعيدية بخصوصيتها سواء من حيث اللهجة أو البيئة أو حتى عادات أهل الصعيد الكِرام وتقاليدهم.

إن نجاح الدراما الصعيدية ترجمته العديد من المسلسلات الثابتة تاريخيّاً التي لا تزال عالقة في أذهان محبيها ومشاهديها على شاكلة "الضوء الشارد" و"ذئاب الجبل" و"حدائق الشيطان" وغيرها، ليتواصل إنتاج المسلسلات الصعيدية بشخصيات وموضوعات جديدة تحاكي وقتنا الحالي من مثل "نسر الصعيد" و"سلسال الدم" وغيرها من الأعمال الفنية التي تتخذ من البيئة والخصوصية الصعيدية تيمة أساسية لها.

لكن أجدني مدفوعاً.. أنا وكل صعيدي شاهد هذه المسلسلات إلى تساؤلين اثنين أولهما: هل عكست هذه المسلسلات البيئة الصعيدية بحق؟ وثانيهما: لماذا ظلت البيئة الصعيدية كما هي ولم يطرأ عليها أي تغيير في المسلسلات؟ فأنت - عزيزي المشاهد - عندما تقارن بين مسلسلات صعيدية أُنتجت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وبين مسلسلات أُنتجت العام الماضي أو العام الذي قبله لا تكاد تلمس أي تغيير في البيئة الصعيدية، لا من حيث اللِّبس ولا المسكن ولا حتى تغير الشخصيات أو الموضوعات، فلا تزال المرأة الصعيدية مثلًا ترتدي العباءة السوداء عند خروجها، ولا تزال ترتدي فساتين طويلة في البيت، ولا تزال موضوعات المسلسلات تتمحور حول الجريمة والثأر وتجارة المخدرات وتهريب الآثار، ولا تزال شخصيات وأبطال المسلسلات الصعيدية يتصفون بالروح الانتقامية والخروج عن القانون أو الجهل به في بعض الأحيان.

إن محافظات الصعيد مثلها مثل باقي محافظات مصر الحبيبة، شملتها التنمية والتطور في مختلف المجالات الصحية والتعليمية والثقافية والعلمية، فصعيد اليوم غير صعيد الأمس، فقد بات يحتوي على المراكز العلمية والتعليمية من جامعات ومدارس ومراكز تفكير وتثقيف، الصعيد أيضاً مسقط رأس العلماء والمفكرين الذين تفخر بهم مصر قاطبة من أمثال طه حسين.. والقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكرها.

وبخصوص تنميط اللباس الصعيدي وحصره في العباءة السوداء أو الفساتين البيتية العادية بالنسبة إلى المرأة، والجلابيات بالنسبة إلى الرجل، فإن الأمر اختلف أيضاً فالثقافة الملبسية أيضاً شملتها رياح التغيير والعولمة لنصبح أمام ثقافة عالمية وحدت شكلها الموضة العالمية.

إذا ما تجولتَ في أراضي الصعيد، مزارعها وحدائقها فستجد دائماً تلك اليد الحانية على هذه التربة الطاهرة لتجود لها بما حباها الله من خيرات ونعم، في الصعيد لن تكون بحاجة إلى تجارة مخدرات، ولا تهريب آثار ولن تكون بحاجة إلى مسدس أو بندقية للثأر، ستحتاج فقط إلى عتادك الفلاحي اليومي لتستقبل كل صباح وأنت على يقين أن الأرض لمن يرعاها ويخدمها.

من هنا نقول إن الدراما العربية والمصرية على وجه التحديد ينبغي أن تكون لسان حال شعوبها بكل خصوصياتهم، وأن تسعى إلى نقل هذا الاختلاف على أنه شكل من أشكال التنوع وليس الاختلاف أو السلبية؛ فوظيفة الدراما هي التسلية والترفيه على ألَّا يكون ذلك على حساب خلق صورة ذهنية مخالفة وسلبية ونمطية للمشاهد حول أي محافظة من محافظات بلده العزيز.


* كاتب مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.