محمد عوض الجشي: مقامة (المحاضر – الحاضر) - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

محمد عوض الجشي: مقامة (المحاضر – الحاضر)

 



محمد عوض الجشي

صرخ بصوت عال.. هلموا الي في الحال، وأتوني بمخرجي الصفحات سواء أكانت محليات، منوعات أو اجتماعيات، احجزوا لي عموداً.. وأن يكون منضوداً.. كل يوم سأنشر مقالا جُله السجال.. وكما تعلمون فإن أفكاري ليس لها حدود وتتخطى السدود.. إن قرأها القاصي يبصرها الداني.. وحتى العامة يستخلصون معانيها في ثوان..

نعم أدخل في لب الموضوع، ولا أنثر فوق المقال الدموع.. ولا أستعطف القوي ولا أتملق للضعيف، فالكل عندي سواء... أرغب عن اللف والدوران.. كل مقال عندي له بهو وعنوان.. حيث أرى بعض القائمين على الأعمدة أفكارهم سوداء جامدة.. إن كتب أحدهم مقالاً عن كثب ترى القلم قد زاغ الحقيقة وتنكب، سوداوي المزاج (متعب).. عيناه لا تبرحان افق الزجاج، ومن ثم يوصد الباب (بالمزلاج.).. متأففاً من الإزعاج.

يعقب ثم يستطرد، وان جاءه شيطان (الكذب) تارة يضيف أسطراً ويحذف أفكاراً.. مزدوج العبارات مبهم الرمزيات.. إذا انتدب للمحاضرة لا يهمه اثنان ثلاث (عشرة)، فترى المستمعين وأكثر الحاضرين يتأففون ويتذمرون كأنهم في البيداء (محاصرون)، حتى إذا غلبهم النعاس وران عليهم العطاس.. إذ بهم يتغامزون، ويتهامسون.

ففي أحد الأيام يا سادة يا كرام.. تمت دعوة المدعو ...... إلى محاضرة بعد أن تلقى مكالمة.. إذ سقط المايكروفون من بين يديه، حسبه الحاضرون (الساكسيفون Saxophone) ثم استمر في الخطابة رافعاً السبابة لا يحبس أنفاسه، ولا يقطع إرساله.. نعم.. ارتجت القاعة عن بكرة أبيها بمن فيها، إلى الجدران وحواشيها.. وما هي إلا لحظات حتى علت الصيحات وكثرت الآهات، بيد أن بعض الموجودين.. منهم أدباء نجباء، قهقهوا غيظاً وضحكوا على استحياء.. فلم يتمالك المحاضر نفسه وافتعل سجالاً على المنصة، يحملق في الوجوه فلا تسمع همسة.. قال اتحسبون أنكم.. كتاب، وشعراء ومشاعركم تطال السحاب.. تتهكمون بلا حساب.. يا سادة، ما ظنكم بي.. هل أحتسي (الشراب)؟

سأشكوكم الى رئيس التحرير والأمر إليه يصير.. سأدعوه أن ينصفكم ويعلمكم ماهية العمود الصحفي، سواء أكان يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، ويا أسفـي.. معظمكم بل أكثركم يكتب مجرد كلمات مبهمات، (عبارات إنشائية تراكمية) فمن يقرأ العمود من أوله لا يستطيع مجاراة آخره، لا يعرف مغزاه ويفهم فحواه.. والله هذا غثاء لا يرضي الأدباء ولا يطرب الشعراء.. يستخف بالنجباء، وكان الله في عون القـراء.. أف لهذا الغثـــاء، وهذه الضوضاء.. هي ثوانِ ثم علا المنبر التصفيق.. ووقف الجميع مهللين زدنا وبالله التوفيق.. فجأة درج درجتين وكاد أن ينزلق لولا أن تم إمساكه من بين الكتفين.. وعاود الصراخ بصوت عالِ جهوري: هلموا هلموا سقفي عالٍ يا غوالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.