عبدالرزاق بشير الهويدي: وجع يولد وقصيدة لا تموت - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأربعاء، 30 أبريل 2025

عبدالرزاق بشير الهويدي: وجع يولد وقصيدة لا تموت

 


عبدالرزاق بشير الهويدي *

الرقة.. وجع يولد، وقصيدة لا تموت..
الرقة... مدينة لا تشبه سواها.. تحني ظهرها للحزن، وتبتسم فوق وجعها.. تحيا على الرغم من الغياب، وتنهض من رماد الحكايات.

حين يحاصرها الموت، تخلق من أنينها شمساً جديدة، وحين يغمرها الغياب تبني من دمعها جسوراً للعودة.. وحين يتخيلون أنها انطفأت، تنبثق كزهرة برية تشق طريقها بين الحجارة
وتحيي الأرض من جديد.

الرقة.. لا تعرف الانكسار.. تتعلم كيف تنهض بعد كل سقطة، تبتسم للحياة على الرغم من فداحة الفقد.. تعزف للحب فوق ركام الخراب، وتغني للفرح بأوتار مبللة بالدمع.. تكتب فوق الرماد.. تبكي تحت المطر.. تنهض مع الفجر، وتغزل من وجعها وشاحاً أبيض
تلوّنه بدمعة صادقة وابتسامة عنيدة.

تبتسم في الحزن، وتشيخ في الحزن.. لكنها لا تموت... لا تموت.

إذا حزنت، أنجبت شعراء.. وإذا بكت، كتبت قصائد.. وإذا مات فيها الحلم، حملته الأمهات فوق صدورهن تمائم لا تهزم.

كلما فاض الحزن فوق ترابها، أنجبت شاعراً يتنفس من رمادها.. وكلما جف النبض في حاراتها، كتبت قصيدة على جدار من طين.

تحمل جرحها كقلادة خفية، وتبتسم برغم الوجع.. تشيخ بين أنين الريح وحكايات الأمهات، لكـنها لا تنكسر، لا تنهار..

تكتب.. تبكي.. تنهض.. تغني.. وتحيا، على الرغم من كل ما كان.

الرقة.. إذا بكت، حولت الدمع إلى قصائد، وإذا انكسر فيها الحلم، حملته الأمهات فوق الصدور، وصنعن منه وطناً لا يقهر.

الرقة.. وجع لا يزول، صوت لا يصمت، وذكرى لا تهرم.. وطن يحمل الذين رحلوا، والذين ينتظرون، في القلب، في التراب، وفي الحلم الذي لا ينكسر.

فيا ناي الحزن... غنِّ.. غنِّ للبيوت التي سالت دموعها على عتباتها، للبيوت التي انطفأت أنوارها وخفت بريقها. غنِّ لساكنيها الراحلين.. غنِّ للطيور التي هجرت أعشاشها.. غنِّ للشوارع، للمآذن، للكنائس، للحدائق.. غنِّ للذين رحلوا بلا وداع، وللقلوب التي اشتاقت ولم تجد من يواسيها.. وغنِّ للرقة.. يوم كانت الحلم، فصارت صدى الغياب.

الرقة لا تموت.. بل تظل تنبت من تحت الركام أملاً جديداً، وترتقي فوق جراحاتها بكل شموخ.

هي أبدية لا تقهر.. تحني ظهرها للحزن، ولكنها لا تنكسر.

* كاتب سوري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.