عبدالرزاق بشير الهويدي: حكاية من دفاتر الذاكرة - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأحد، 27 أبريل 2025

عبدالرزاق بشير الهويدي: حكاية من دفاتر الذاكرة





عبدالرزاق بشير الهويدي *

من دفاتر الذاكرة، حيث تختبئ الحكايات بين ثنايا الزمن، بدأت الحكاية.. هناك، بين صفحات لم يلمسها النسيان، وبين سطور خبأت فيها أنفاسي الأولى، التقيتها.. شاعرة جاءت من زمن يشبه الأحلام، عابرة بلا موعد ولا انتظار.

التقت عيناي بعينيها، وقبل أن تتلو قصيدتها كانت نظراتها أبلغ من الكلمات.. لمحت في عينيها شواطئ لم تعرفها الرياح وأبجدية لا يفك رموزها إلا القلب.. كانت رسائل خفية في عمق المدى، تحمل أزمنة وأماكن لم تكتب بعد.

في تلك اللحظة، توقفت الحياة بيننا، كأن الزمن نفسه سكن في نظرة.. كنت أنا وعينيها جزءاً من لحظة خارجة عن حدود الواقع.. حروفاً صامتة تخطها العيون على دفاتر لا تنتهي.

قبل أن تنطق، قرأت في عينيها إشارات لا تترجمها الألسن.. شعرت أن هناك أشياء لا تقال إلا في صمت العيون، حيث تهوي الحروف بثقلها على الروح، وتبقى حية في الذاكرة.

كانت شاعرة في صمتها أكثر من أي قصيدة مكتوبة.. كأنها تهمس لي بأن الكلمات أحياناً تعجز عن حمل المشاعر، وأن الصمت العميق يكشف لنا ما يخفيه القلب وراء الكلمات.. حيث لا تحتاج الأرواح إلى لغة، بل إلى شعور صادق يلامسها.

ثم همست بلا كلمات، لكن عينيها قالتا ما هو أعمق من كل شعر:
أنت الحرف الذي لا يتسع له دفتر، وأنت العصفور الباحث عن أفق لا ينتهي..


ثم غادرت بصمت، لم تترك لي سوى بقايا قصائدها تسكن بين دقات قلبي، تغني لي لحناً تائهاً بين الوجود والعدم، حيث لا توجد إجابات، بل أسئلة معلقة بين السماء والأرض..
أسئلة تبحث عن إجابة لم تكتب بعد، كما تبحث الروح عن معنى لا يفهمه إلا الصمت،
الصمت الذي هو أصدق من كل الحروف.


* كاتب سوري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.