محمد عوض الجشي: لَفتَك ما لَفتَك - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأربعاء، 11 يونيو 2025

محمد عوض الجشي: لَفتَك ما لَفتَك

 


محمد عوض الجشي


في العرف الإداري. تستعمل الكلمة على هذا النسق (لفت نظر) كناية عن إخطار الموظف انه قد ارتكب خطأ ما.. وينبغي اجتنابه في مرات مقبلة، وذلك طبقاً للعرف الإداري المعمول به في المنشآت والشركات.
وتعني أيضاً الانتباه والحذر، سواء من الجهات الأربع يمنى / يسرى. الخ وهكذا دواليك.

أما عند أبي العبد، فقد يكون لها معان عديدة.. وقد تكون فيها غرابة تغمرها طرافة.
ولنسمع ما قاله أبوالعبد لأبي صطيف أثناء تجاذب أطراف الحديث، إثر لقاء جمعهما في محمية زراعية، بعيداً عن أعين الفضوليين.
أهلاً بالحبيب والأخ (العريب).. أينك يا (زلمي) تختفى دون إشعار وتتركني وحيداً أطارد العصافير من فنن إلى فنن.

حَرد الزوجة

لا عليك أبوالعبد.. سبب اعتكافي.. أن (حرمة) جارنا أبي محمود قد (حَردتْ) وأبت أن تصحب بعلها إلى مكان عمله في مدينة ما.. برغم أن السكن متوفر على أحسن طراز..

وماذا بعد؟ ما دورك أنت.. وهل هذا يهمك يا صاحِ.. وأظنك قد أصلحت ذات البين. أليس كذلك؟ سامحك الله يا أبا العبد.. كما تعهدني وتعرفني.. أنا في مثل تلك المواقف أقف كالجمل الهصور.. ولا أحيد عن هذا الدرب حتى أتفحص جميع الأمور، ولا أبالي بالأقاويل.. (يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة).. فأنا أقف مع الحق ولا أحيد عنه قيد أنملة. الصِدق الصدق.. هدفي، أنأى عن المجادلة وأتجنب المناكفة وأنزوي عن المهاترة.. بيد أني أرى كثيراً من تلك الهفوات التي تصيب بعض الأزواج، ولا يحسنون الخلاص منها، ران على قلوبهم العشي ويتخبطون العشواء، مضطربي المزاج يعيشون في دوامة مستديمة حلقاتها رتيبة محكمة الإغلاق متقوقعين على الذات، هم في سبات سبات.

أهل الخير والصلاح

أخي أبا العبد.. بعبارة أصح.. بعد مداولات عديدة من أهل الخير والصلاح والفلاح. تم التوصل الى اتفاق بين الزوجين. وهكذا عادت المياه إلى مجاريها بكل يسر وعسر.. وهذا من فضل ربي.. وفضل أخيك أبي صطيف الحصيف الحريف في حلحلة تلك المناورات الزوجية غير المجدية.

تم الاتفاق العلني الشفهي أن يصطحب الزوج امرأته إلى المدينة حيث مكان عمله.. وفي كل مرة حين يعود الزوجان إلى القرية لزيارة أهله وأبيه وأمه. إذ بالزوجة يصيبها دوار حار، وسرعان ما يتلقفها أبوها وتجلس في كنفه أياماً وليالي. و(تحرد) من جديد. إثر كل زيارة وهكذا المسار و(عقدة المِسمار) نعم (حليمة) تعاود دربها القديم. أجل.. يتدخل أهل الخير للصلح من جديد.. وهكذا دواليك.

ويستمر الزوج في الاحتواء ولملمة الأمور، حتى ضاق صدره وانتفخت أدواجه، لكنه راح يردد مع وديع الصافي (يا عيني على الصبر) لعل أعصابه تهدأ قليلاً. ويأخذ بيد (حليلته) متجهاً إلى صوب المدينة، مكان عمله لتحصيل رزقه.

طيب.. يا أبا صطيف.. اختصر.. أفضِ لنا ما في جعبتك.. أنت تعلم أن أبا العبد مشغول مشغول.. أريد زبدة الكلام، ما تقصد.. شوقتني.

مهلاً أبا العبد.. أبوصطيف يوصلها إليك إما إشارة أو سِمة أو "حدوثة" صغيرة غير مباشرة.. يا أخي تلك (الحرمة) تنتهج تلك التصرفات حينما تقدم مع الزوج إلى القرية. يستحوذ على عقلها الباطن (النكوص) وتستشعر أنها مازالت طفلة صغيرة تعيش في (بيت الأب والأم).. ثم تستحضر ألعاب الطفولة وشقاوتها وحلاوتها وألعاب الطفولة بها طعم خاص ورونق (عميم).. تلك الزوجة تهيمن على مخيلتها لعبة.. (لَفتَكْ ما.. لَفتَكْ) (طَعْميتكْ مونِة سِتك) وهذا ديدنها.

وصف اللعبة

نعم حينما كان الأولاد والبنات تناوشهم تلك اللعبة الطفولية البريئة. كان الولد الذي يتعثر حظه في إيجاد البنت التي تجاريه في اللعب. تناديه بصوت مرتفع وهي مختبئة (لَفّتَكْ ما.. لَفّتَكْ). حتى يجري هائماً يبحث عن مكان الاختباء.. وقلما يجد الولد ضالته في البحث. حيث يكون الاختباء محكماً وراء الشجر أو بين الجدران المتعرجة.. وهذا هو حال الزوج موضوع قصتنا.. يلتفت يمنة ويسرة.. يتجه شرقاً وجنوباً.. يرى ولا يرى سوى الطيف.. يعود إلى المدينة وينظر إلى البعيد البعيد.. يرى هضاباً.. ضباباً.. ثم يهذي مع نفسه.. صائحاً صادحاً.. (لَفتَكْ ما.. لَفتَكْ).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.