عمر أحمد الحمود *
أتوقُ إليك، وعندما تُذكَرين أمامي تفزّ روحي من حضن الكلمات الناعسة، وتجمح خيول سباقٍ أصيلة، تفرشني على صهواتها، ولا توري قدحاً، ولا تثير نقعاً بل تتلوى في تشكيلاتٍ لونية رائعة تُذهل الريحَ والبروق والرعود، وترمح من فلاة الهجر اليابسة إلى واحاتٍ ظليلة بفنون الوصال، وتقطع مسافاتٍ مسحورة كما يفعل أولياء الله، وتعبر جسور المحال حتى تجد ريحَك، فتصهل راعشة، وبانسيابٍ تدخل جنّاتِك المعلّقة، وبورود بابلك الوارفة يطيب الاكتحالُ فرضاً كلّ نهار، ونافلة ثلاثاً كلّ ليلة، وتنحني أمام برجك الوضّاء قانتة طائعة، فتُطلّين من خدرك على اشتياقٍ وارف، وترميني بشهقةٍ راغبة، فأرجع أميّ الهوى، وأنت العارفة، وبأصابعك الطويلة ترتّبين فوضاي بمهارة وإمتاع، وترشدين شظاياي التائهة إلى وادي عبقر، وتلملمني القوافي في قامة شاعرٍ ضال ضليل، يسكر بهمسةٌ، ويصحو ببسمةٌ، ويحتفي بطقوس المطر، والثلج، والريح، ويرى فيها ولاداتٍ تقصي الموت والنسيان، وغزل السماء للأرض الأنثى.
وقبل أن تنحرف الذاكرة ينقش سلطانُ الهوى أخبارَنا على ألواحٍ طينية من بلاد ما بين النهرين ملحمة مضمّخة برهيف المشاعر، وأغتسل بوجهك مزنات مطر قبل رحيل العمر، فأزدان شباباً ونضارة، وتعود إليّ أشياء من أسلافٍ عُرِفوا بحبّهم العذري، وبإرثهم الثري يرتعش صوتي:
(أنت وضميرك يااهواي أنت وضميرك ماعندي غيرك محبوب حكّمْ ضميرك)..
أنا لست عابر حبّ، تطويه الأوقات، فارفضي طباع الحجر، وكوني بخور مساجد وأيقونات كنائس، والطفي بي، وخذيني منّي إليك.
* كاتب وروائي سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.