![]() |
لوحة "تمرد" لأحمد عواد الشلاش |
مازن العليوي
تبدو المعالجة البصرية في لوحة "تمرد" للفنان التشكيلي السوري أحمد عواد الشلاش، مغايرة للمألوف.. فهي ليست مقتصرة على المشهد التجريدي التعبيري - المنقول بتصرف - للمرأة الراقصة المنطلقة بحرية، بل أضاف الفنان صورة وجه أنثوي واقعي على يسار التكوين، في تداخل يجمع بين الواقعية التفصيلية والتجريد التعبيري في فضاء واحد.
من الناحية التقنية، على الرغم من أن الفنان نقل اللوحة الأصلية وأضاف تعديلات لونية طفيفة، خاصة في درجات الأزرق والخلفية، ثم أدخل وجه الفتاة كعنصر واقعي بارز، فإنه أحدث تضاداً فنياً لافتاً: الواقعية الدقيقة لملامح الوجه، بما تحمله من وضوح وانفعال داخلي، تقف أمام الطيف التجريدي المتدفق على يمين اللوحة. هذا المزج بين الأسلوبين يعكس رغبة الشلاش في اختبار حدود التداخل بين المدارس، وإبراز التوتر الخلّاق بين الحلم والواقع، وبين الشكل الملموس والخيال المطلق.
قوة اللون ماتزال السمة الطاغية؛ الأزرق يظل مركز الثقل البصري، ممتداً في ثوب المرأة الراقصة وفي خلفية التجريد، مانحاً إحساساً بالامتداد والانعتاق، بينما الأخضر والأحمر والبرتقالي يضيفون مناطق من الدفء والحيوية. أما إدخال الوجه في الجهة اليسرى فقد منح العمل مركزاً إنسانياً مباشراً يوازن طغيان الحركة المجردة على اليمين.
على مستوى التعبير، يخلق التكوين قراءة مزدوجة: الوجه الواقعي يستدعي إحساساً بالتأمل الداخلي وربما التردد، في حين أن الجسد المنطلق يميناً يمثل الانفلات والحرية المطلقة. بهذا يترسخ مفهوم "تمرد" كحركة مزدوجة: تمرد داخلي يتجسد في النظرة العميقة للوجه، وتمرد خارجي ينعكس في الجسد المتصاعد نحو النور. إنها ثنائية بين الداخل والخارج، بين الذات الصامتة والفعل المتفجر، بين القيود الواقعية ورغبة الانطلاق.
العمل بهذا الشكل يكتسب بعداً جديداً، إذ لم يعد فقط صرخة لونية وحركية، بل أصبح حواراً بين الواقعية والتجريد، بين صورة أنثى ماثلة بكل تفاصيلها وصورة أنثى أخرى تحلّق في فضاء غير محدد. هذه الإضافة تجعل اللوحة أكثر تعقيداً وتفتحها على قراءات متعددة: فهي في الوقت ذاته شهادة على جماليات اللون والحركة، ومحاولة لإدماج التجريد في اليومي والواقعي، لتأكيد أن التمرد يبدأ من الداخل قبل أن يتجلى في الخارج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.