عبدالناصر عليوي العبيدي *
يَلُفُّ الصَّــــمْتُ أَبْعادي ظَلامَــــا
وَيَزْرَعُ فِي مَســــافاتي سِهـــــامَا
وَتَحْمِــــلُني هُبُوبُ الرِّيــحِ ذِكْرَى
وَتَسْــــكُبُ فِي مَــــآقِيَّ الْهُلامَــــا
تُواجِـهُني الْمَرايــــا بِانكِســــاري
فَأَفْتَــــقِدُ الْأمَــــاكِنَ وَالْمَقَــــامَــــا
وَأُطْرِقُ صـامِتاً، وَالصَّمْتُ جُرْحٌ
كَسَــــابِقِ عَهْدِهِ كَانَ الخِتَــــامَــــا
أَأَهْرُبُ مِنْ يَــــــدَيَّ لِكَيْ أراهــــا
تُشَيِّدُ حَــــوْلَ خُطْواتي الْخِيــــامَا؟
وَأَرْجِعُ لِلْبِدايــــــاتِ اضْــــطِراراً
كَمَنْ فَرَضُوا عَلَى الرَّفْضِ الْتِزامَا
أَنَا الْوَجَــــعُ الَّذِي يَمْتَــــدُّ سِـــــراً
كَجَذْرٍ يَشْــــتَهِي الْمَوْتَ الزُّؤامَـــا
أَنَا الطِّفْــــلُ الَّذِي ضَــــلَّتْ خُطاهُ
فَأَلْفَى الْعُمْــرَ مَنْفًى وَاصْــــطِدامَا
يُصــــادِقُ ظِــلَّهُ فِي كُــــلِّ دَرْبٍ
وَيَحْسَــــبُ صَمْتَهُ الْعالي اهْتِمَامَا
أَنَا الصَّــــوْتُ الَّذِي قَدْ جَفَّ لَحْناً
كَصَــــخْرٍ بَاتَ يَنْشَقُّ انْقِسَــــامَا
تَكَسَّــــرَ فِي حَنــــاجِرَ مُغْلَقــاتٍ
فَمَا أَفْضَى إِلَى الدُّنْيــــا كَلامَــــا
أَنَا النَّهْــــرُ الَّذِي تَاهَــــتْ خُطاهُ
فَأَهْدَى لِلصَّــــحَارَى الاغْتِرامَـا
أُخَبِّئُ فِي التَّجــاعِيــــدِ انْهِزامِي
كَمَنْ قَدْ دَسَّ فِي ثَلْـجٍ ضِــــرَامَا
وَأَكْتُبُ فَــــوْقَ جُدْرانِ التَّجَــلِّي
حُرُوفاً لا ترى فيها انْسِـــــجَامَا
فَإِنْ ضَحِكَتْ شِفَاهِي دُونَ قَصْدٍ
يَسِــــحُّ الدَّمْعُ شَــــلَّالاً مُدَامَـــا
فَتُبْصِــــرُني الْعُيُونُ وَلَا تَراني
سِوَى طَيْــــفٍ يَزِيدُ بِهَا الْقَتَـامَا
أَنَا الْمَنْفِيُّ سِــــرْتُ إِلَى بِــــلادٍ
أُقاسِــــمُ شَعْبَها خُبْزاً حَرَامَــــا
شَــــوَارِعُها تُراقِبُني اشْــتِباهاً
وَتَرْمُقُني بِعَيْنَــــــيْها اتِّهَــــامَا
أَنَا الْجُرْحُ الْمُقَيَّدُ فِي كِيـــــاني
حِصَــانٌ قَدْ أَعَدُّوا لَهُ لِجَــــامَـا
إِذَا حَرَّكْتُ أَطْــــرافي قَلِيــــلاً
أَحُسُّ الْقَيْدَ يَزْدادُ اضْــــطِرَامَا
أَنَا الشَّوْقُ الَّذِي أَضْحَى رَمَاداً
وَكُلُّ مَلامِحي أَضْـحَتْ رُكَامَا
أَرَى فِي الْيَقَظَةِ الْأَحْلامَ وَهْماً
وَكُلُّ مَطامِحِي أَمْسَـتْ مَنَــامَا
وأَهْرُبُ مِنْ مَنَامِي نَحْوَ صَحْوٍ
فَأَلْقَى الصَّحْوَ أَغْلَالاً عِظَامَــا
أُســـافِرُ فِي الْخَرابِ كَأَنَّ ظِلِّي
تَجَسَّــــدَ مِنْ رَمادٍ لَا عِظَامَـــا
وَأَسْــــأَلُ كُلَّ بَــــابٍ عَنْ مَفَازٍ
فَيُغْلِقُ دُونَ تَنْهِيدِي اعْتِصَــامَا
أَنَا النَّايُ الَّذِي قَدْ شَــــاخَ يَوْماً
فَأَخْفَى عَنْ كَواهِلِهِ السَّــــــقَامَا
تَهاوَى فِي ثُقُوبِ الصَّمْتِ لَحْناً
وَصَـــارَ أَنِينُهُ الْعالي اتِّهَــــامَا
أَنَا الْمِفْتــــاحُ ضَـاعَ بِغَيْرِ بابٍ
أَنَا الْمَهْــــدُ الَّذِي أَمْسَى حُطَامَا
أَنَا الْمَشْــــنُوقُ مِنْ حَبْلِ التَّمَنِّي
يَــــرَى فِي كُلِّ تَنْهِيدٍ حِمَــــامَا
أَنَا الْعِطْرُ الْمُسَــــافِرُ فِي رِياحٍ
يُفَتِّــــشُ عَنْ دَوَارِقهِ هُيــــــامَا
فَلَا قَلْبٌ يَضُــــمُّ شَــــذَاهُ يَوْماً
وَلَا أُفُــــقٌ يُحَــــدِدُهُ خِتَـــــامَا
أَنَا الْعَطْشانُ فِي صَحْراءِ رُوحِي
أُقايِــــضُ مــــاءَ أَيَّامِي سَـلامَا
وَمَا نِلْتُ السَّــــلامَ أَوِ ارْتِــواءً
فَزِدْتُ بِهِ عَـــــلَى ظَمَئِيَ أُوامَا
أَنَا الصَّوْتُ الْغَرِيبُ بِأَرْضِ تِيهٍ
يُنَــــادِي: مَنْ لِهذَا النَّبْضِ رَامَا؟
فَلَا يَأْتِيهِ غَيْرُ صَــــدًى شَحِيبٍ
عَلَى أَشْلَاءِ ذاتِ الصَّوْتِ حَامَا
سَكَنْتُ الصَّمْتَ حَتَّى صَارَ بَيْتِي
فَأَوْرَثَنِي عَلَى صَمْتِي وِسَــــامَا
أَنَا الْجُرْحُ الْعَمِيقُ بِلَا ضِــــمَادٍ
تَعَـايَشَ لَمْ يَعُدْ يَرْجُو الْتِئَــــامَا
أَنَا الْمَطَرُ الْخَجُولُ أَتَى لِأَرْضٍ
يُوَاسِي الْجُرْحَ شُحاً مُسْــــتَدَاماً
يُبَلِّلُ وَجْهَــــها الدَّامِي وَيَمْضِي
فيُوقِظُ مَنْ بِهَــــذَا الْكَوْنِ نَــــاما
عســى يأتي الربيع بُعَيــــد لأي
فتــزهر كُلُّ أَزْهَارِ الْخُــــزامَى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.