الرقة .. عراقة المكان ونقاء الإنسان - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الاثنين، 23 مارس 2020

الرقة .. عراقة المكان ونقاء الإنسان

منظر من مدينة الرقة
منظر من مدينة الرقة

قل أن تجد مدينة شهدت على مدى الأزمنة مراحل متعاقبة من الخراب والانبعاث مثل مدينة الرقة السورية، وانبعاثاتها التي تشهد حالياً واحداً منها تؤكد أنها مدينة حيّة نابضة بأهلها على مرّ عصور التاريخ.
فالرقة التي تضم أقدم بيت عرفه الإنسان ويقع في تل المريبط على ضفاف نهر الفرات، هي المدينة التي عرفت ألقاً تاريخياً ندر أن يوجد في معظم المدن، وآثارها القائمة في تل البيعة والرصافة وباب بغداد والسور الأثري وقلعة جعبر وقصر البنات وغيرها من أماكن تبقى شاهدة على تاريخ عريق مغرق في القدم، ولعل موقعها الحيوي على ضفة نهر الفرات جعلها مكان استقرارٍ للحضارات التي نشأت عليها.

ليست مكاناً تاريخياً فحسب

يحضر العصر العباسي كأحد أهم العصور التي مرت على الرقة، وفيها ازدهرت المدينة وبلغت أوج شهرتها حين اتخذ منها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة له سنوات عدة. وهذا لا يعني أن الرقة لا تتجاوز كونها مكاناً تاريخياً، بل إن إنسانها كان مبدعاً طوال العصور المتعاقبة عليها، بدءاً من ذلك القديم الذي بنى مسكناً في تل المريبط، وصولاً إلى إنسان القرن الحادي والعشرين الذي تهجّر ومازال يقوده الحنين إلى أرض الخصب والاخضرار، حيث الدفء والمحبة والألق المكاني والألفة.
من عاشر أبناء الرقة فإنه يعرف رقيّ الأخلاق لديهم، ويعرف سمو صفاتهم الأصيلة، وكثيراً ما مرّ بها السائحون القادمون من الغرب والشرق، فما وجدوا من أهلها إلا حسن الضيافة في حالة لا توصف من الكرم والترحاب وتسهيل احتياجاتهم وتحركاتهم.




مدينة لا تتوقف عن ولادة المبدعين

الرقة الحديثة التي قدمت للأدب العربي مبدعاً كبيراً هو الراحل الدكتور عبدالسلام العجيلي، وشاعراً يقارن بفحول الشعراء هو الراحل مصطفى الحسون.. وشاعراً عروبياً كبيراً كالراحل فيصل بليبل تظل ولادة للمبدعين، ولو قسنا عدد مبدعيها في مختلف المجالات على عدد السكان لوجدناها تنافس على الصدارة عربياً ولا نبالغ لو قلنا عالمياً، فمن فيها من شعراء وأدباء وفنانين استطاعوا ترك بصمة أينما توجهوا، لكن الحنين يظل يشدهم إليها وإلى أحيائها وشوارعها وحاراتها ومقاهيها ومقاصفها التي انتشرت على ضفة نهر الفرات وداخل المدينة.
فمن يستطيع أن ينسى شارع المنصور وشارع الوادي وشارع تل أبيض وشارع القوتلي و23 شباط.. وغيرها.. ومن ينسى الجسرين العتيق والجديد و"النعيم" والمنطقة التوسعية والفردوس والدرعية، أو المشلب والكسرات والحمرات وحاوي الهوى ورميلة، والأسماء كثيرة سواء اقتربنا من المدينة أو بعدنا عنها قليلاً من عين عيسى إلى تل أبيض وتل السمن والطبقة والسبخة والخميسية ومعدان والمزارع المنتشرة في أرجاء المحافظة.. أو ينسى الأماكن التي قطن فيها أبناء العجيلي والبليبل والبياطرة والحسون والكويدر وشبلي السلامة والبجري والآخرون من أبنائها وأبناء القرى المجاورة لها.. سواء من استقرت عائلاتهم فيها قديماً أو من جاؤوا إليها في مرحلة لاحقة وانصهروا فيها ليصبحوا جزءاً منها.

التراث الغنائي الثري

من يزور الرقة لا بد أن يستلذّ بأكل خبز الصاج والتنور، أو يتناول وجبة دسمة من "الكلال" و"الحميس" و"الثريد" أو يتذوق "الجيكا"..ومن يزورها ولا يحضر احتفالية غنائية فقد أضاع طقساً إبداعياً جميلاً، تتوهج فيه ألوان متنوعة من التراث الغنائي العريق، تراث لا يبدأ بالموليا الأصيلة، ولا ينتهي باللكاحي والسويحلي والعتابا.. فكل ما يقدمه أهل الرقة من إبداعات غنائية يطرب السامع ويشد المتلقي.
في الرقة مازال صوت الراحل حسين الحسن يتردد في أعماق الناس، ومازالت زمارة الراحل "أبو فيصل" تنثر البهجة في القلوب.. وأما قصائد الشاعر الشعبي الراحل أخيراً شلاش الحسن فلها في النفوس مكانة لا تضاهى.
إنها الرقة، المدينة التي تنهض دائماً مهما عانت لكنها لا تموت..

هناك 6 تعليقات:

  1. سيصبح اسمهاالرقة الجبارة

    ردحذف
  2. ستبقى مدينتنا الخلابة ذات التصميم العمراني الرائع شاهدا على الحضارة و الرقي و الجمال و رافدا لمناحي الحياة كما رفيقها و جارها نهر الفرات العظيم

    ردحذف
    الردود
    1. كان علي أن اعرف عن نفسي انا خطاب العجيلي

      حذف
  3. المدينة الصامدة رغم الألم

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.