صبحي دسوقي: الأعياد - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأحد، 24 مايو 2020

صبحي دسوقي: الأعياد

صبحي دسوقي، إشراقات: الأعياد


صبحي دسوقي *

تمرُّ الأعيادُ على السوريين في بلاد اللجوء كذكرى لأشياء مفقودة؛ يحاولون استرجاعَ ذكراها التي فقدتْ ألقها وبريقها، وانمحت في زوايا النسيان، ما عادت لتلك الأعياد بهجتها، وما عاد أهلها منشغلين بالتحضير والاستعداد لها، ما عادوا يهتمون بتهيئة بيوتهم وأجسادهم وأرواحهم لها، فقد تغيرت الحال، ولسان حالهم، اليوم، يلهج ببيت شعرٍ لشاعرٍ منسيّ:
(عيدٌ، بأيّ حالٍ عدْتَ، يا عيد؟؟؟!!!!). 


معظم دولِ العالمِ انصرفت وتشاغلت عن معاناة السوريين، بل إن بعض هذه الدول أسهم وشارك في زيادة هذه المعاناة، كي يضمن بقاءَ الطغيان، وكي يمحوَ حلم الحرية من قائمة مطالب الشعوب.
لقد أصبح السوريُّ دريئةً لأحقاد العالم الذي يرفعُ شعاراتٍ باهتةً لحقوق الانسان، تلك الشعارات التي سقطت، وانكشف زيفُها أمامَ السكوت المريب على هذا الحقد البشري الذي لم يجد رادعاً له من أحد. 




والأعياد ليست مناسبة روتينية نتبادل فيها التهاني، ونقدم فيها للآخرين الأطعمة والحلويات، ونتساءل خلالها عن أحوال الآخر، وننهمك في الحديث أمامه عن آلامنا ومآسينا، ثمّ ينصرف الواحد منا إلى وجهته سريعاً مرتاحاً لأنه أدى واجباً أثقل كاهله. بل هي أكثر من هذا كله، إنها حالة إنسانية شاملة، نسترجع من خلالها كلّ ما بدر منا تجاه ذاتنا وتجاه الآخر، ثمّ الانطلاق إلى الحياة بصدق، مطالبين منها العفو عما بدر منا من إساءات للآخرين، ومد اليد للمصافحة والغفران بحب وحنان. 

الأعياد هي ذاك التوق لاسترجاع لحظات الطفولة الهاربة، والتي كان يظللها العفوية والبساطة، وفيها تتحول كل البيوت إلى بيوت لنا، وتتفتح القلوب مشرقة ناصعة كوجه العيد المضيء.

في الأعياد يسارع الجار إلى جاره ملتمساً منه العفو عن أخطاء بدرت منه، وفيه يلتقي الأصدقاء والأحبة، وتنحسر الخلافات البسيطة، وتصفو القلوب، ويتقاسمون كل ما يملكون من أطعمة وأموال.

فيها يتراكض الأطفال وهم يرتدون ثياب العيد البهيجة، ويحتفظون في جيوبهم بالعيديات التي وصلتهم من هنا وهناك، والتي سرعان ما تتبخر في أيدي أصحاب المراجيح والألعاب، وباعة الأطعمة والحلويات، وسرعان ما يعودون بحثاً عن عيديات إضافية تمكنهم من مواصلة أفراحهم بالعيد.

العيد هو البهجة التي تنبع من داخلنا وتصفو ثم تنطلق إلى الفضاءات حاملة معها الرغبات والأماني التي تسعد وتزيل الكآبات والأحزان من حياة كل من يحيط بنا.

العيد هو أن تمد أصابعك لمن تحب فتلتقي الأكف بحميمية ودفء، وتسترخي الأصابع وتبقى الأكف ممدودة بحب لكل الناس الذين نحبهم والذين نعرفهم ولكل الذين لم نلتقيهم بعد.


-----
* قاص وصحفي سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.