عصام الطوخي: قبل أن تَسْمَع النِّداء الأخير - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الاثنين، 10 مايو 2021

عصام الطوخي: قبل أن تَسْمَع النِّداء الأخير

عصام الطوخي، نبضات: قبل أن تَسْمَع النِّداء الأخير


عصام كرم الطوخي *

ستكون أسيراً للأمراض والآهات، لأنك أرهقت نفسك بكثرة العداوات والخصومات نتيجة ما يحمله القلب من غلِّ وكراهيّة، بل ستصبح وحيداً بسبب إضاعة وقتك الثمين في متابعة سفاهة الآخرين، بل سوف تخسر حياتك في متاهة الوهم والتوهم بتتبعك لهواك وإقبالك على شهواتك نتيجة جهلك بربك وعمى قلبك، فلم تعمل بما ينفعك في الدنيا والآخرة فنسيت الله تعالى بنسيان ذكره وعبادته، ونسيت الغاية العظيمة من خلقك، فأخذتك همومك ومشاغلك إلى سرقة عمرك وحياتك، حتى تحولت عبادتك لله لا روح فيها ولا خشوع، فلم تسع إلى عمل جليل أو هدف نبيل بل لم تجعل محياك لمن خلقك ورزقك.

يقول مصطفى صادق الرافعي: "أُفٍّ لهذه الدنيا! يُحبّها من يخاف عليها، ومتى خاف عليها خاف منها، فهو يشقى بها ويشقى لها، ومثل هذا لا يكاد يطالع وجه حادثةٍ من حوادث الدهر إلا خيّل إليه أن التَّعاسة قد تركت الناس جميعاً وأقبلت عليه وحده".

لا تكن ممَّن ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، فانكبوا على أمورها المادية ويكتفون بها، وهم يحسبون أنهم يقومون بأمور مهمة وعظيمة، بينما هم في ضلال وخسران، فأنْساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات لأنهم تركوا أداء حقه الذي أوجبه عليهم فخرجوا من طاعته إلى معصيته، فيجادلون في جميع الأمور ويناقشون جميع القضايا التي لا طائل منها فيطيعون من أغفل الله قلبه، لذلك لا تكن مثلهم تسكرك الشهوات وتسحرك الدنيا حيث إننا في زمن تتغير فيه الثوابت، وسوف تختلط عليك الأمور نتيجة أحداثها المتسارعة لذلك إلى الجأ إلى الله ليحميك من شرور نفسك ومن سيئات أعمالك ومن فساد علاقاتك التي تمحق بركة مالك وأوقاتك.

الجأ إلى الله ليعينك على ذكره وشكره ويمنن عليك بعفوه ومغفرته ورضوانه وحسن عبادته وليهديك إلى نوره، لترى المكسب الحلال، وتسعى إلى المعاملات الحسنة، وفي هذا السياق يقول أبو العتاهية:
أرى الدُنيا لِمَن هِيَ في يَدَيهِ
                                 عَذاباً كُلَّما كَثُرَت لَدَيهِ
تُهينُ المُكرِمينَ لَها بِصُغرٍ
                              وَتُكرِمُ كُلَّ مَن هانَت عَلَيهِ
إِذا اِستَغنَيتَ عَن شَيءٍ فَدَعهُ
                              وَخُذ ما أَنتَ مُحتاجٌ إِلَيهِ

تجرد من ذنوبك وآثامك حتى لا تظل في تخبط دائم، ولا تكن ممن يربطون تقييمهم للنجاة الأخرويَّة بأعمال ومعايير غير منطقية، فأنت مغبون وتخدع نفسك، وتعيش في وادي الضلال والخسران، فنسيت مقصدك وهدفك الأصلي من الحياة الدنيا، لذلك يجب مراجعة نفسك، وإلا فقد خسرت وحبط سعيك وأنت تظن أنك رابح ومحسن بسبب فساد الاعتقاد.

هنا نذكر قول حافظ إبراهيم في قصيدته» العمرية:
يا مَن صَدَفتَ عَنِ الدُنيا وَزينَتِها
                                      فَلَم يَغُرَّكَ مِن دُنياكَ مُغريها
جوع الخليفة والدنيا بقبضته
                                   منزلة في الزُّهد سبحان مُولِيها

كثير ممن أخذتهم مشاغل الحياة تجد مصيبتهم في أمورهم الدنيوية أعظم من مصيبتهم في دينهم، ولذلك لعظم وشأن قيمة وأهمية الدنيا بالنسبة لهم فهم يشعرون ويحزنون لخسارتهم شيئاً دنيوياً، لأنهم جعلوها أكبر همهم، ولكن لا يشعرون بمصيبة الدين وقد اختل، لذلك راجع نفسك، وكيَّف حالك مع الله.

لا ترهق نفسك في هذه الدنيا بالانشغال بها، بل كن مع أهل الإيمان والدين والعقيدة والصلة بالله والخوف منه، حتى لا يأخذك الكبر والغرور، لذلك لا ترهن نجاحاتك بالتقدير والتبجيل والثناء وكفى ليشار إليك بالبنان، بل كن ممن يستطيعون رسم البسمة على وجه الإنسانية، واقتنص معهم لحظات السعادة بأن تحبهم وتكون محبوباً بينهم، لذلك واصل السير بمشاركة مشاعرك وأفكارك مع الآخرين، لتكون ملهماً حقيقياً في عقولهم وصدروهم.

* كاتب مصري مهتم بتطوير الذات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.