أحمد حمزة: لا تعايرني ولا أعايرك الزنا طايلني وطايلك - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأحد، 7 مايو 2023

أحمد حمزة: لا تعايرني ولا أعايرك الزنا طايلني وطايلك


أحمد حمزة *

كان صديقنا يعمل في مكتب مشترك مع فتاة جميلة إلى حد ما، هو في أواخر العشرينات، يرتدي نظارة طبية، ويتكاسل عن حلق لحيته، فبدا مع النظارة والذقن كعالِم منقطع عن الناس لطلب العلم. حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك، لكنه تنبه لهيئته تلك وصار يتعامل مع الناس على هذا الأساس. في حدود ثقافته المحدودة كان يعرف مدى انجذاب الرجل لرائحة المرأة، ويحفظ عن ظهر قلب حديث "أيما امرأة .....".

رائحة (منة) شريكته في مكتب العمل تجذبه حد الفتنة لدرجة أنه يظل مشتتاً طوال مدة وجودها معه في المكتب، حتى إنه في بعض الأحيان يضطر إلى العمل في منطقة الاستراحة عوضاً عن المكتب المشترك. في كل مرة يتسرب عطر هذه الـ"منة" إلى أنفه يردد حديث "أيما امرأة......"..  لا تظنني من كلماتي أتحدث عن عابد زاهد؛ فيوسف صديقنا ذلك مازال يحتاج إلى من يأمره بالصلاة ويصطبر عليه! وطوال يومه بالعمل كثيراً ما يسترق النظر إلى صدور ومؤخرات كل ما ينتهي بالتاء المربوطة في محيط عمله، تلك النظرات لا تزيد عن لحظات حتى إن أحداً لم يلاحظه قط، وشيطانه يخبره بأن هذه النظرة الأولى التي هي له! وينصحه بأن لا يرمش؛ حتى لا تنتهي النظرة الأولى - التي هي له - ويدخل في تعداد النظرة الثانية التي هي عليه.

الغض من البصر لديه عادة.. لم يحاول المواظبة عليها كالصلاة تماماً.. لكنه بعد كل هذا يحفظ حديث "أيما امرأة........".

ذات يوم جمعه بـ"منة" عمل مهم جعل الاثنين منشغلين تماماً لدرجة أنهما لم يخرجا من المكتب طوال الدوام. تحدثا معاً في العمل وسواه خلال ذاك اليوم، وإلى حد ما سارت الزمالة بينهما في درب جديد غير ما مضى. توالت الأيام والعلاقة بينهما تزداد فيها الأُلفة وترفع الكُلفة حتى تجرأ هذا الـ"يوسف" وتحدث معه عن عطرها النفاذ وتشتيته إياه كلما مرت عليه منة! لم تبدِ أي تعبير لكنها هزت رأسها مرتين في توتر وعادت تجلس إلى مكتبها. شعر يوسف بالحرج من تطفله، واستغرب ردة فعلها؛ كان يتوقع المناقشة أو الزجر بإحدى العبارات التي تجيدها منة إلى حد كبير، أو حتى زجر بنظرة لكن هذا كما ذكرت لم يحدث.

أظلم درب الزمالة بينهما من جديد حتى أنها لم تعد تلقي عليه التحية قولاً أو حتى (بالتشنيكة) كما في أيامه الأولى في العمل.

حديث يوسف استفز منة لدرجة أنها آثرت الصمت؛ حتى لا تسمعه ما لا يُحمد عقباه! أو كما يُقال في تعبير العامي البليغ (تسمعه من المنقي يا خيار).. كانت تراقبه طوال الوقت بعمد ودون قصد، عينها تأبى الابتعاد عنه، ليس حباً أو شوقاً للحديث معه بل غيظاً منه! ولاحظت أنه لا يفوت فرصة النظر في قُبل كل امرأة تمضي في مرمى عينه، ولا دُبر كل امرأة كذلك، نظرته تطول كأنه يأخذ إبعاد شيء ما! لم تفكر في الأمر كثيراً، بل لم تفكر في الأمر إطلاقاً، وعادت إلى مكتبهما المشترك سريعاً كأنما وجدت ضالتها، وحينما دخل يوسف المكتب عزمت عليه بفنجان قهوة مع ابتسامة صفراء متكلفة لم يتبينها يوسف من الفرح الذي طرأ عليه بسبب حديثها معه مرة أخرى بعد آخر حوار بينهما، عندما أخبرها عن حديث "أيما امرأة ......".

عادت منة ومعها فنجانين من القهوة، وجلست على كرسي مكتبه، بدأ يوسف بالاعتذار عن حديثه لها عن عطرها وكم هو يشتته، ابتسمت وداعبته متسائلة:

- ماذا عن وقع رائحة القهوة على أنفك؟

هل تثيرك وتشتتك أيضاً؟ للحد الذي يجعل عينيك تتسمر على الفنجان لا ترمش لدرجة أن الناظر إليك وقتها يظنك تضاجع الفنجان بعينك!

مازالت الابتسامة على وجه منة لم تخفت، ويوسف لم يفهم ما ترمي عليه هذه الـ"منة"، فلم تخفت ابتسامته أيضاً.

حتى واصلت منة الحديث عن حديث:

"العين تزني .......".. هنا فهم مقصد كلامها واختفت ابتسامته، ظل محدقاً في ابتسامتها التي تقول - في بلاغة - ما يعجز الكلام عن قوله!

"لا تعايرني ولا أعايرك الزنى طايلني وطايلك"..

لا أجد عبارة تصلح كخاتمة لقصتي خيراً من عبارة شوقي: "آفَةُ النُصحِ أَن يَكونَ لجاجاً".

* طالب جامعي، تخصص لغة ألمانية، له مدونة باسم "تباريح جريح"، مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.