عبدالقادر رالة: الشجرة والعصافير - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الخميس، 14 سبتمبر 2023

عبدالقادر رالة: الشجرة والعصافير

 


 عبدالقادر رالة *

كان شابّاً غريب الأطوار، فلم نحاول الاقتراب منه. احترمنا عزلته، هدوءه وصمته الدائم.

يجلس ُ هناك، غير بعيد عنا، فوق بقايا سور متهدم، ينظرُ إلينا نلعبُ ونلهو، يراقبُ حركاتنا وصراخنا، حتى يبلغُ منا التعب مبلغه، فنتفرقُ عائدين إلى بيوتنا...

كان اصطياد العصافير أحب التسليات إلينا..

وفي أحد الأيام سألنا لماذا نصطاد العصافير؟ فكانت إجابتنا واحدة، نحب أن نربيها ونعتني بها، نضعها في الأقفاص ونستمتع بصوتها الجميل.. نتحلق حولها..

ابتسم، ثم نهض واقترب منا.. المرّة الأولى، يقترب منا، حتى توسطنا...

ــ هل تريدون امتلاكها أم الإنصات لشدوها الجميل؟..

ـــ لا... لا.. فقط... صوتها المغرد ما أروعه!..

ابتسم وقال: إذ كنتم متأكدون أن غايتكم هي التغريد وليس الامتلاك فاغرسوا شجرة أو اثنتين...

ــ نغرس شجرة!..

ــ نعم... أعرف أن نمو الشجرة يحتاج إلى سنوات طويلة، تكونون أنتم فيها قد غادرتم الطفولة وعبرتم نحو الشبّاب، ولم يعد صيد العصافير يستهويكم... لكن ما أنا متأكد منه أن الإنسان في حاجة إلى سماع شدو الطيور في جميع أطوار حياته...

صمت ثم قال: اغرسوا.. ولن تخسروا شيئاً...

تذكرتُ ذلك الشّاب غريب الأطوار، وأنا مستلقٍ على العشب بين الأشجار التي غرسناها في زمن مضى، بجانب بقايا السور المتهدم..

كبرتْ الشجيرات الستة وصارت شجرات شدّيدة الجذوع، فأضحت مأوى للطيور المغردة..

غير أني الوحيد الذّي حافظ على المجيء إلى هنا من بين أترابي القدامى، إذ تفرقوا ولا أكاد ألتقيهم إلا نادرا عند الخباز أو بائع الخضروات..

يطيبُ لي الجلوس تحت الأشجار، أستمتع بصوت العصافير...

وحينما أنظر أمامي، إلى بقايا السور، يخطرُ على بالي سؤالان:

ــ لماذا لم تعد مطاردة الطيور تستهوي الأطفال اليوم؟

ــ أين ذلك الشاب؟ تتشكل أمامي صورة باهتة له...

* كاتب جزائري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.