مازن العليوي: نخبة واعية في المنتصف - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

السبت، 10 فبراير 2024

مازن العليوي: نخبة واعية في المنتصف

 


المثقف الحقيقي هو من يخلص للهم الإنساني ويعيش آلام أبناء مجتمعه وأفراحهم، متطلعاً دائماً إلى غد أجمل انطلاقاً من واقعٍ لا تشوبه الخيالات التي تضر ولا تنفع.. والمثقف الحقيقي هو من يرى الأخطاء ويحذّر من تفاقم الخلل، ويطرح الفكرة التي يجب أن تطبق كي يصل الجميع إلى الحالة الصحيحة. ولعلّ الرأي النابع من قناعة صادقة بأن إسعاد الشعوب هو الغاية من الرؤى التي تصدر عن النخب الفاعلة على الساحة الفكرية، هو الرأي الذي يفترض بالمسؤول أن يتبناه ويسعى لتحقيقه بأي وسيلة، كي تسير الأمور في الاتجاه الصحيح. 

غير أن الذي يحدث في بعض المجتمعات العربية أن مثل تلك الآراء قلما يؤخذ بها، وربما لايؤخذ بها أبداً، فما يريده المسؤول من المثقف لا يمكن أن يصب في مسار النقد، لأن أي انتقاد لوضع سلبي يكون معناه لدى المسؤول انتقاصاً من مهامه وفاعلية أدائه. فهو لا يطلب أكثر من التلميع والإشادة بالإنجازات، حتى لو اضطر المثقف لتغيير قناعته كي يصبح المسؤول راضياً. وهذا المثقف في الحالة الأخيرة ليس مثقفاً حقيقياً، إن قبل بالثناء على ما لا يستحق ومن لا يستحق. 

في العقد الأخير كشفت الأحداث في المنطقة العربية كثيراً من المواقف، فاستقطبت وسائل الإعلام فريقين من المتحدثين، فريق يشيد بنظام ما وإنجازاته ويعدّ ما هو عكس ذلك مؤامرة...، وفريق يقف ضد هذا النظام أو ذاك، ويرى أن منع الحريات إلى زوال. إشكالية معظم أفراد الفريق الأول هي أن طروحاتهم غير مقنعة للمتابعين، لأن الخلل موجود، وإشكالية أكثر أفراد الفريق الثاني - برغم منطقية مطالبهم - أن طرحهم حاد ومفرداتهم فيها بعض التشنج.. وبين الفريقين تبحث الشعوب عن المثقف الحقيقي الذي يعبر عن لسان حالها. 

بين الفريقين توجد نخبة واعية في المنتصف تطرح أفكارها بهدوء، لا تشتم أو تسيء بألفاظها، وفي الوقت ذاته تعبر عما تريد الشعوب لمستقبل الأوطان والأجيال. 

في المحصلة، أثبتت التجارب أن الخطأ لا يستمر، لذلك فإن مواجهة الواقع والتعامل معه بجدية وإزالة العثرات من ضرورات تكوين الصلة المتينة بين النظام والشعب. وتحتاج الصلة حتى تكون قوية إلى عدد من المرتكزات منها تحقيق مبدأ التوازن بين الدخل والإنفاق، وحرية الرأي والتعبير، ووجود رقابة قوية ومساءلة عند الخطأ أو ظهور الفساد، وتفعيل دور المثقف... وغيرها من أمور ليس من الصعب أن نراها تعيش في الواقع العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.