علوان زعيتر *
الظل الأسود توارى خلف حديقة القصر المبلورة، بينما كانت المدينة تخلع عن جسدها آخر طبقات الخوف.. اختبأ القمر وراء ستائر الغيوم، وبدأ الزجاج يتهشم في نوافذ كانت تعرف أسماء المعذبين.. تكسرت أقفال صدئة من على أجساد متعبة.
في الداخل، جلس الطاغية، محاطاً بالفراغ، يحدّق في جدران تراقب أنفاسه الأخيرة.. لم يعد أحد يهتف باسمه.. الكرسي الذهبي تحوّل إلى شاهد أخرس.
كانت المدينة، قبل السقوط، كعرسٍ فقيرٍ لا يحضره إلا المستَكينون. أبواب تخاف أن تفتح، وأرصفة منكمشة على نفسها من وطأة الخوف.. لكن فجر ذلك اليوم بدا مختلفاً: الأغاني ترتفع من شرفات المنازل، وعيون الأطفال تلمع كبذورٍ تنبت في الربيع، وعبق الياسمين وزهر الليمون يملأ الطرقات.
في القصر المهجور، ظلت المرآة الوحيدة في جناح الحاكم المخلوع واقفة، لم تنكسر. لكنها لم تعكس وجهاً بعد الآن.. في آخر لحظة من الصمت، وقبل أن يسدل الغبار ستائره، دخل ظلٌّ آخر من الباب الخلفي.
لم يُرَ وجهه.. ربما يشبه من قبله وربما لا..
وقف في منتصف القاعة، حيث كان الكرسي، لم يلمسه.. ابتسم.
وهناك، في المرايا المتصدعة، بدأت صورة جديدة تتكوّن ببطء.أمام مرآة بعينين مفتوحتين.
* كاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.