سرمد الناصر: سيمفونية الصور العذبة في "تراتيل القطا" لغازي عبدالرحمن الحجّو - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الاثنين، 7 أبريل 2025

سرمد الناصر: سيمفونية الصور العذبة في "تراتيل القطا" لغازي عبدالرحمن الحجّو

 




كتب الأديب والشاعر السوري سرمد الناصر قراءة نقدية عن قصيدة "تراتيل القطا" للشاعر السوري غازي عبدالعزيز عبدالرحمن الحجّو ننشرها هنا في صحيفة الجسر.
 
تقديم:
في قصيدته "تراتيل القطا"، يشدّنا الشاعر غازي عبدالعزيز عبدالرحمن إلى مساحة شعرية مفعمة بالوجد الصوفي والحنين الإنساني، حيث تتناغم مفردات الحب والوفاء والروح والعطر والجمال في سيمفونية من الصور العذبة والبيان الرفيع.

القصيدة:
تراتيل القطا
في ما يلي نقد أدبي بنّاء يسلط الضوء على الجوانب البلاغية، والمعاني، وجماليات القصيدة:

1. عنوان القصيدة "تراتيل القطا":

العنوان موفّق وذو إيحاء رمزي عميق؛ فالـ"تراتيل" تحيل إلى طقس روحي/صوفي، والـ"قطا" طائر مهاجر يرتبط بالتيه والغربة والعودة.
الشاعر جمع بين الموسيقى التعبدية وبين رمزية الحنين والترحال منذ البداية، ما يُعِد القارئ لرحلة وجدانية تتأرجح بين التوق والمكابدة.

2. البناء الشعري:

جاءت القصيدة على البحر الكامل، وهو بحر ذو موسيقى قوية، تتلاءم مع النفس المتدفق للشاعر.
استخدم الشاعر القافية الموحدة ببراعة، ما أعطى النص سبكاً فنياً متماسكاً.
الألفاظ واضحة لكنها ذات إيحاء عميق، تظهر قدرة الشاعر على توظيف اللغة بمزيج من الفصاحة والعذوبة.

3. بلاغة الصور والمعاني:

أ. الحنين والغربة:
- "قَدْ ضَاقَ صَدْرِي فِي هَوَاجِسِ غربتي
                                                فَلَبِسْتُ مَا يُوقِي مِنَ البَلْوَاءِ"
هنا نلمس معاناة المغترب الذي يحتمي بالإيمان في وجه القلق والهموم.
الصورة البلاغية "لبستُ ما يوقي من البلوى" فيها كناية رائعة عن التحصن بالإيمان والدعاء، وهي من صور الاستعارة المركبة التي تعكس نضجاً شعرياً.
ب. التقابل بين النور والظلمة / الجمال والقبح:
- "ما أجملَ القمرَ المنيرَ مُلألئاً
                                     قَدْ بَددَ الظَّلْمَاءِ بِالأَضْوَاءِ"
صورة مدهشة تعتمد التضاد البلاغي الذي يُظهر الجمال بفضل نقيضه.
أسلوب "ما أجمل" إنشائي غرضه التعظيم والانبهار، ويُبرز قدرة الشاعر على مزج الشعري بالتعبير العاطفي الصادق.
ج. الأنسنة والتشخيص:
- "تستعجلُ الأيامَ من أوْكَارِهَا
                                      قَبْلَ التّوهُّج فِي لَظَى الصَّحْراءِ"
استخدام الشاعر التشخيص بجعل "الأيام" كائناً حياً يخرج من وكْره، وهي صورة ذات خيال خصب وحس درامي.
التوهج في لظى الصحراء قد يرمز إلى ذروة المواجهة أو العودة إلى الجذور في صراع الاغتراب.

4. التناص والإشارات الثقافية:

الشاعر يستخدم إشارات قرآنية/صوفية:
- "ذكرَ الإلهِ لِكَيْ أطمئِنَ خاَفِقِي
                                        وَدعُاءَهُ بالسرِّ والضَّرَّاءِ"
فيها تناص مع الآية: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله..."، ما يُضفي على النص سمة روحية تطهّر من الألم.
التناص الآخر حاضر أيضاً في قوله:
- "لَا يَسْتَوِي العُلَمَاءُ بِالجُهَلَاءِ!!"
وهو تلميح مباشر للآية: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"

نقاط قوة القصيدة:

1. تماسك الصور والمعاني وبناؤها في نسق تصاعدي.
2. ثراء لغوي دون تعقيد، وسلاسة موسيقية محببة.
3. شاعرية عالية وصدق وجداني يتجلى في كل بيت.
4. تناصات دينية وثقافية تضيف عمقاً وتأملاً للنص.

خلاصة:

قصيدة "تراتيل القطا" عملٌ شعري ناضج، يستحق التقدير لما فيه من بلاغة الأسلوب، ورهافة الإحساس، وروعة الصور، وسعة الثقافة. إنها قصيدة تُغني الذائقة وتُحيي التراث الشعري العربي بقالب حديث فيه من الصدق والحنين والجمال ما يليق بشاعر له رسالة ووجدان.

* * * * *
عن الشاعر:
غازي عبدالعزيز عبدالرحمن شاعر سوري من الرقة يكتب بنَفَسٍ شعريّ أصيل يتّكئ على لغة متينة وصور باذخة ووجد إنسانيّ عميق. تمتاز نصوصه بتماهيها بين الذات والآخر، بين الوطن والحب، بين الاغتراب واليقين.
له مشاركات في المنتديات الأدبية والمجلات الثقافية، ويُعدّ من الأصوات التي تُعيد للقصيدة العمودية ألقها المعاصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.