أحمد رشاد *
مازالوا يتناسلون كأوهامِ عاشقةٍ بلهاءَ.. تنتظرُ بائعَ الأساورِ والفارسَ الموعودِ عند آخرِ الشارعِ المُثْقَلِِ بالأَسَی.
مازلوا يَتَكَاثَرُون من دون رغبةٍ عَسی أنْ يبقی نافخُ نارٍ يمْسَحُ بَأرْدَانِهِ سيلاً من الأمسِ والأمُنيات.
يتركونُ أجِنَتَهمُ علی سَريرِ أوجاعَهم يرْضَعُونِ ما تَبَقَّی مِنْ كَرَامَةٍ زَائَفَةٍ.. يَثْقُبُون ظَلاَلَهم كي يَعْبُرَ الماءُ نافذةً مَنْ ملحٍ وجراحٍ.
سَتَكْتَمِلُ دَورَةُ الحياةِ حِينَ يموتُ السُّلْطَانُ ويبقی السّيفُ مُعَلَّقَاً علی جُدْرَانِ الذاكرةِ المُثْقَلَةِ بالأعِزِاءِ والدّيارِ.. يَقْتَاتُونَ أصَابَعَ الوقْتِ من دون شَهوةٍ.
هو الجّوعُ لِكُلِّ شيءٍ يَجْتَاحُ أركانَ الرجال، يَدْفعُ القَهْرُ بهم نَحو هَاتِيكَ السّلالِ العَاهرةِ.. لا عِنَبٌ يَشْتَاقُ للعَنقود ولا تينٌ ولا زيتونٌ ولا سرابٌ.. لا وطنٌ لهُ رايةٌ واحدةٌ كي ينتسبَ الوليدُ.
لا قمرٌ يطلُ من جبينها.. لا ولا ريحٌ تعصفُ.. لا ولا حتی فراغٌ أو متاعٌ.. فقط بعضُ أشياءٍ عتيقةٍ وقنديلٌ قديمٌ لا ماردٌ فيه.
يتناسلون ومناديلُ المغادرين تلوِّح لهم مِنْ بَعيدٍ.. إنّنا عائِمُونَ لا عَائَدُونَ.. يبعثرونُ تفاصِيلهُم علی تلكِ الدُّرُوبِ.. حاملينَ اكْفَانَهم حَمَامةَ سلامٍ وانكسارٍ.. يَدِسون أحْلامَهم كُلَّ مَغِيبٍ تَحْتَ وسائدِ الرغبةِ والجمرِ.
غداً سَيأتيهم المأمولُ طائعاً وينثُرُ علی رؤوسِ الجِبَالِ حَبّاً.. أين هي الجبالُ؟ جاعَ الطيرُ..
جاعَ الحبُ، والحرُ يفِضُّ بكارةَ الشباكِ والصبحَ الحزين.
جاعَ الحبُ، والحرُ يفِضُّ بكارةَ الشباكِ والصبحَ الحزين.
هنا الصيادُون مُنْهَكونَ يَلْهَثُونَ خَلْفَ خَيطٍ مِنْ دُخَانٍ ورماح.. يتناسلون خلسةٍ خلفَ بحارِ الانتظارِ.. وأنا هنا أعُدُّ العابرين بلا رؤوسٍ.. بلا جهاتٍ.. لا وحتی اتِجَاه.
اُفتحُ التاريخَ كي أستعيرَ صورةَ الرشيدِ "رَدّيَّ ما تری".. فما رأی لن يری، غير أنَّ البابَ ضاعِ في مَتَاهَاتِ الرفاق.. واستمروا عابرين.
* شاعر وكاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.