وطفة الفرات *
لم أكن أكبرُ حين مرّ عامٌ جديد على تاريخ وجودي، ولا حين وُضِعتُ شمعةٌ أخرى على كعكة باردة في عزلة مُزركشةٍ بالتصفيق.
كبرتُ حين ابتلعتُ الغصةَ الأولى واقفة.. وحين ناديتُ أحدهم من قاع قلبي، فأدار لي ظهره دون أن يلتفت.
كبرتُ حين صار اسمي ممراً في ذاكرةٍ ما.. لا محطة، وحين انكسر الضوءُ في وجهي.. فتعلّمتُ أن أعيش على ظلالِ ما لا يُقال.
كبرتُ حين صافحتُ الخيانةَ دون أن أصفعها.. وحين ضممتُ الصبرَ إلى صدري كطفلٍ يتيم يرتجف في العراء.. حين عادت خطواتي من الطريق ذاته بلا يد ٍتمسكها.. وبلا ظلٍّ يعترفُ أنه اشتاق.
لم أكبر لأن شعري شاب.. بل لأنّ قلبي شاخَ من فرط الانتظار.. لم أكبر لأن عينيّ ضعُفتا،
بل لأنّ بصيرتي أُنهكت وهي تفتّش عن وجهٍ واحدٍ صادق بين الزحام.
بل لأنّ بصيرتي أُنهكت وهي تفتّش عن وجهٍ واحدٍ صادق بين الزحام.
كبرتُ حين صارت روحي عجوزاً تحملُ صندوقاً صغيراً، فيه بقايا حُلم.. ونصف ضحكة.. ووردةٌ لم يُهْدِها أحد.
كبرتُ يومَ رأيتُ الناس يتساقطون من حياتي كما تتساقط أوراق الخريف.. واكتشفتُ أن العلاقات الجميلة تُصابُ بالشيخوخة من دون سابق إنذار.
كبرتُ حين ودّعتُ من أحببتُه بكاملِ روحي.. ومضيتُ أجرُّ نعشي كأنه حقيبة سفرٍ لم تُكتب لها العودة.
كبرتُ لأنّ الحنينَ قديمٌ فيّ، يسكنني كما تسكن الكُسور عظامَ الجرحى.. وكما يسكن الغيابُ ملامحَ مَن انتظر طويلاً ولم يُسمِّه أحد.. حين أغلقتُ ألبومَ الذكريات لأنّ الصورَ صارت شائكة.. وحينَ أخطتُ جراحي بإبرةِ الصبرِ في غيابِ مَن كان ضمادَ الروح.
كبرتُ لأنّ الحنينَ استهلك فيَّ ما لم تستهلكهُ السنين.. ولأنّ الحرفَ شاخَ في فمي قبل أن يتعلّمَ نُطقَ "ابقَ".. كبرتُ يا وجعي حين اختبرتُ الوحدةَ لا في الغرف بل في الحشود.. وباتت روحي غرفة انتظار لا يدقُ بابها أحد.. حين صرتُ أكتبُ لأتنفّس، وأتنفّسُ لأكتم، وأكتمُ لأنّه لا أحد يتقنُ الإصغاء حين تُنطقُ الحقيقةُ من حنجرةٍ مُتعَبة.
كبرت.. حين ترمّل قلبي، حتى وهو في حضن الحياة.
* كاتبة سورية، تستخدم اسماً مستعاراً، حسابها على موقع فيس بوك وطفة الفرات
* كاتبة سورية، تستخدم اسماً مستعاراً، حسابها على موقع فيس بوك وطفة الفرات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.