عبدالرزاق بشير الهويدي: ما بين الغياب والحضور.. وجودٌ لا يُمحى - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الثلاثاء، 27 مايو 2025

عبدالرزاق بشير الهويدي: ما بين الغياب والحضور.. وجودٌ لا يُمحى

  


عبدالرزاق بشير الهويدي *

في قلبي أنثى لا ترحل.. أنثى لا تعرف للغياب اسماً، ولا تعترف للرحيل بمعنى، كأنها الغيمة التي لا تمطر لكنها تسقيني كلما جفّ الشعور..
كأنها الآهة التي تعبر صدري كلما حاولت أن أبدو بخير..
هي ليست امرأة عابرة، ولا قصة انتهت..
هي ذاك الحرف الذي كلما كتبت سطراً جديداً، عاد يتصدر الصفحة
هي وجعي الجميل
هي جرحي الذي لا أريد له شفاء
صوتها يمرّ في الذاكرة كما تمرّ الأغاني القديمة في الروح
يثير حنيني، يربك صمتي
ثم يختفي.. ليعود أقوى، كما لو أن الوجع قد تعلّم كيف يصبح طقساً يومياً 
هي الحلم الذي لا يستأذنني في العودة
تتسلل من ثنايا السطور، من رائحة العطر، من ظل الغياب
كأنّها لم ترحل، وكأنني لم أُخلق إلا لأحبها
هي اللاشيء الذي إن حضر، ملأني
وإن غاب، تركني ممتلئاً بالفراغ
أهرب منها..
لكن الطريق إليها محفورٌ في كل الجهات
أنام عنها… فتزورني في كل أحلامي،
أكتب عنها.. فتكتبني
أنساها للحظات، فتذكرني بي كما لم أعرفني من قبل..
هي التي علّمتني أن بعض الغياب لا يُنسى
وأن بعض الوجوه تسكن الروح
لا لأننا نريدها، بل لأنها ببساطة.. صارت نحن
هي فوضى مشاعري حين أهدأ
وسكينتي حين تضجّ الحياة
هي المطر حين يُقبّل الأرض في لحظة عطش
والصيف حين يتسلل من بين الأصابع ليحرق الذاكرة..
لا ترحل..
لأنها لا تعرف كيف تكون الغائبة
ولا تبقى.. لأنها أكبر من الحضور 
هي بين بين، بين الحلم والحقيقة
بين النسيان والحنين
بين ما لا يُقال.. وما لا يُنسى
هي أنثى لا يُعاد مثلها
ولا يُعاد نسيانها
ولا يُشفى القلب منها..
وحتى إن اختفى وجهها، بقي الأثر
كأنها زرعتني منها، ثم مضت
وتركتني أزهر على غيابها
أنا الذي صرت بها ظلاً وصدى
وذكرى تتنفسها اللحظات
كلما قلت انتهيت
سمعتُ روحي تهمس ما زالت هنا
هي في قلبي
ومازال القلب ينبض باسمها
كما لو أن النبض خُلق لأجلها، وكأن اسمي دون اسمها لا يُكتمل
برغم كل شيء
برغم انكسارات الوقت، وتغيّر الوجوه، وتآكل الحنين
برغم أني لم أعد كما كنت، فقد تبدّلت ملامحي، وهدأ ضجيجي
تعلّمت أن أبدو قوياً حتى حين أنهار في داخلي
لكنها بقيت
بقيت كنقشٍ لا تمحوه كل مواسم الغياب
كوشمٍ على ذاكرة القلب لا يبهت مهما تعاقبت الفصول
بقيت لأن بعض النساء لا يُغادرن، وإن رحلن
لا نودعهنّ كما نودّع الآخرين
ولا ننساهن كما تُنسى القصائد العابرة
هنّ مثل الطين الأول الذي صيغت منه الروح
كأنهنّ خلقن لا ليكنّ معنا فقط
بل ليبقين فينا
كأن حضورهنّ قدر، وغيابهنّ قدر
وكل الطرق إليهن، وإن اختفت، تبقى سالكةً في القلب
هي في قلبي..
لا تسكنه كضيف، بل كالوطن
وما زال القلب، رغم كل ما خسر
ينبض باسمها… وكأن الحب لم يُخلق إلا لها

* كاتب سوري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.