عبدالرزاق بشير الهويدي: الورّادات".. قراءة في نص "أصيل الفيض" - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الجمعة، 27 يونيو 2025

عبدالرزاق بشير الهويدي: الورّادات".. قراءة في نص "أصيل الفيض"

 

الشاعر أحمد رشاد (أصيل الفيض)

عبدالرزاق بشير الهويدي *


قراءة في نص الشاعر: أحمد رشاد Ahmad Rashad Rashad (أصيل الفيض) 
عبدالرزاق بشير الهويدي
"عطشان هذا النهر، ما عدچن حسيوة لِبن؟
بهذا السؤال الذي يشبه النداء الحزين، يفتتح الشاعر أصيل الفيض قصيدته (الورَّادات) ليأخذنا إلى عالم من الشوق والغصة والحنين، عالمٍ فيه الضحكة تحمل وجعاً، وفيه الورد لا يُقطف بل يُلاحق وطناً مفقوداً.

اللغة بين البساطة والعمق

القصيدة مكتوبة باللهجة المحكية، لكنها مفعمة بالشاعرية والرمزية، فيها كلمات مألوفة من حياة الناس اليومية، لكنّها محمّلة بإيحاءات ومشاعر عميقة. إنها ليست كلمات عابرة، بل صور حيّة، تُشبه رقصات ظلّ على ماءٍ راكد، تُشبه ورداً يمشي على أطراف الصباح ويبحث عن معنى الوجود في زمن الغياب.

الورّادات… من هنّ؟

الورّادات في القصيدة لسن مجرد فتيات أو رمزاً عابراً، بل هنّ وجه الجمال في وطنٍ يتألم، نّ الحب، والحنين، والحلم، والرقة نفسها.

"راحَنْ يِحْوشِّنْ وطنْ"... خرجن يلاحقن الوطن، لكن الوطن لم يعد موجوداً كما كان،
ورِجْعَنْ و مامِشْ وطن… رجعن بخيبة، برجوعٍ لا يشبه العودة.

"ضحكة الحلوة سكن… وابتسامة حزينة".. 
الشاعر يرسم لحظات من الفرح المخنوق،
ضحكة تسبق الوداع، فرح يعلو قبل الانكسار، مشاهد كأنها من حلم، لكن نهايتها مؤلمة:
لا نفع ذاك الحلم و ما أظن هنَّا انتشن.

كأن الورود سكرت بالحلم، لكنها استفاقت على خيبة كبيرة… نهرٌ غاف وطنٌ ضائع، وحلمٌ سقط دون أن يتحقق. صور عاطفية لا تُنسى في القصيدة لقطات تستقر في الذاكرة، مثل:
وردْ يِمْشِنْ علی اطْرَافْ الصبح
غافي علی رموشهُ نهر
بِيهِنْ عَطَشْ غَصِّة زَمَنْ

هذه الصور تُشبه أنين الأرض حين تجف، 
وحزن العيون حين تضحك برغم الوجع.

رسالة القصيدة: الخيبة الجميلة

الورّادات ليست مجرد قصيدة عن فتاة خرجت تبحث عن حب أو وطن، بل هي مرآة لحال كلّ من حمل في قلبه حلماً كبيراً، وسار خلفه بكل صدق، ثم عاد محمّلاً بالخذلان بدل الفرح، و بالأسى بدل الانتصار.

الورّادات في النصّ هنّ نحن جميعاً، 
الذين صدّقنا أن الضحكة طريق، وأن النهر دليل،
وأن الوطن ينتظرنا هناك، عند أول حلم نبت في القلب. لكن… حين تنطفئ النشوة، وتنكشف الحقيقة، ندرك أننا عدنا، لكن ليس إلى وطن، بل إلى فراغ لا يشبه البداية ولا النهاية.

اصيل الفيض لايلوم، لا الورّادات، ولا الوطن، ولا حتى الحلم، بل يقدّم المشهد كما هو:

صادقاً، ناعماً، لكنه موجع… كأنَّه يقول: ليس كل حلم يُثمر، وليس كل مَنْ خرج، يعود وفي يده شمس أو راية… بعضهم يعود بظلّ فقط. وهذا الظلّ، هو الخيبة الجميلة التي برغم ألمها، تبقى أنقى من ألف نصر مزيّف، وأصدق من كل الوجوه .

الورّادات ليست نصاً عابراً يُقرأ مرة ويُنسى، بل هي قصيدة تمشي في وجدان القارئ كما تمشي الورود على أطراف الصبح.. قصيدة فيها الحنين، والخوف، والخذلان، والأمل المكسور، تفيض بالكلمات التي تُقال، وبالتي لا تُقال أيضاً…

كأن صديقي اصيل الفيض وضع بين السطور تنهيدة وطن، و وجع نهر، و صوتاً أنثوياً يبحث عن بيته في الغيم.

كتبت يا صديقي بلغة الناس، لا بتكلّف، و بصوت القلب، لا بصوت المنابر، فجاءت كما يجب أن تكون القصائد الصادقة: 
ماءً في زمن الجفاف، وهمساً في زمن الضجيج، وحقيقةً تمشي على قدمَي حلم خائب، لكنها لم تفقد إنسانيتها.

في هذا النص، لا تشعر أنك تقرأ شعراً فقط، بل كأنََّك تجلس بجانب أصيل الفيض، تسمع منه حكاية لا يريد أن ينساها، ولا يستطيع أن يبوح بها إلا شعراً. 
وهذه هي أعظم القصائد: تلك التي تشبه البكاء الصامت، أو الفرح المتعب، أو الوطن الذي يسكننا وإن غاب.

أصيل الفيض… 
دمت نهراً لا يعرف الجفاف، ووردة لا تموت في يد القصيدة،
ودامت الورّادات في نصوصك تسير على دروب الحنين، بحثاً عن وطن لا يسكن الخارطة… بل يسكن القلب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.