محمد عوض الجشي: مقامة خيط دخان - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الثلاثاء، 29 يوليو 2025

محمد عوض الجشي: مقامة خيط دخان

 



محمد عوض الجشي

ما لي أراك يا أبا العبد حائراً تنظر يمنة ويسرة مشمئزاً ضجراً... أعهدك وهالتك على تلك الهيئة، أن أمراً صلفاً قد أصابك شذراً... لا عليك يا صاحبي.. حِدسك في محله وقد أصبت كبد الحقيقة في أقل من دقيقة.

تعلم أن أبا صطيف صاحبك منذ الطفولة... كم لعبنا معاّ وعفسنا التراب وحاكينا فتوة (الرجولة).. آه كم وكم طعمنا معا حبيبات (الفول) والحمص المبلول.. هلم واحكِ لي ما اصابك وماذا جرى في محرابك.. بُحْ واحكِ ما يعتريك وما جرى لك، فأنا بين يديك.

نعم.. تقدمت إلى أحدهم... منهم مسؤولين وقائمين في وظائفهم.. على أن يجد لي مخرجاً من مأزق وجاهي لمنحي توصية كتابية ممهورة خطية.. وقال لي بصوت جهوري: أنا لها وقدّها... سأمنحها لك بحذافيرها (من شحمها إلى جلدها).. بل وربت على كتفي وتلمست يداه صدغي.. وتهللت قسمات وجهه في عيني.. ثم أردف قائلاً: هلم وامضِ في دربك - إن شاء الله خيراً.. والأمور كلها أمان وسِتر.

آه يا أبا العبد.. أمرك عجيب، وكما أرى أنه مريب.. يا ليتك أخبرتني بالموضوع قبل الشروع وتلوية الذراع و(الكوع).. كما تعلم يا أبا صطيف.. الدنيا تشغل الكثير وتنسي أعز الصحاب.. ونغدو نتطفل كالمسكين المستكين.. أجل لا أريد أن تنظر إلي بعين العطف.. ربما تتأفف وتبعد عن دربي ويأخذك جناح الاستعطاف واللطف.

لا يا صاحِ.. قد علمت قصتك وعرفت حكايتك وما التبس عليك.. فإن طاش قوس المنحة من جعبتك فلا تيأس، قد يكون ذاك في مصلحتك.. فهناك أشخاص وعودهم عرقوبية رعناء يعتمرها الخواء، وفي بطونهم هواء وتلاعب جوانبهم أهواء..

لا لوم عليك أبا العبد... ذلكم من الشخصيات الضعيفة وأعمالهم خفيفة وعقولهم سخيفة.. وحججهم طفيفه.. إن طفت على السطح سرعان ما تضمحل في لمح.. إن حاورتهم يسمعون في آذانهم.. تؤزهم أفعالهم. أفكارهم جرداء يملؤها غثاء وعِشرتهم افتراء.

أجل أبا صطيف.. دعني أسرد الواقعة في حذافيرها وتسمعها من (طأطأ) إلى أخماسها... نعم.. عكفت أن أزور مكتب المدير المسؤول، وشاءت الصدف أن قابلته في ممر المدخل.. نعم عرفني.. فجأة إذ لاح نظره عني.. طرحت عليه السلام قبل أن يدلف إلى بهو المكتب في خفٍ وأمان... لم يجب، وأسرع الخطى في اتزان، ولم يلتفت نحوي.. كأن على رأسه الصولجان.

ثم نظرت إلى موظف الاستقبال.. وعرف مني المآل والسؤال.. قال انتظر قليلاً لعلي أتجاوزه.. أستأذنه.. أحاوره.. عاد القهقرى وعيناه افتراء (ظاهري) إذ أرسل إلى السكرتير استفسر عن التوصية، فوجئت أنها مستعصية..

وبينما أنا في تلك الحالة.. أصبت في دوار (كرسي) وأحسست أنني أدور في حلقات حلزونية طَفقت على كل (حَدسي).. بل ونسيت كنه مرادي والتوصيات سواء أكانت جمعاً وفرادى.. دقائق.. وقد استجمعت جُلّ افكاري وناوشتني هواجس ثلاثي أضواء المسرح – وهم: الحاجب – السكرتير – المدير المسؤول . كلٌ يغني على ليلاه ، والكل في مكانه لا يتزحزح.

وها هو أبوالعبد.. أخذ يردد رائعة نزار قباني المعهودة.. وأغنية العندليب المشهورة.. (سترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان) (وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.