رامي محمد: "بحب الناس الرايقة"

 

رامي محمد *

الحياة ليست نزهة ممتعة أو طريق ممهد للجميع، بل يجب أن تعاني وتعاني حتى تصل إلى مبتغاك، فالحياة مليئة بصناديق من الألغام كنا نظنها هدايا، فالزهور على جمال شكلها فلا تخلو من الشوك، وفي ذروة المعاناة تجده عالماً آخر من البشر، يبدون هادئين ممتنين لا يشعرون بتلك الآلام، على سبيل المثال؛ عندما تذهب إلى إحدى المنشآت الحكومية وتجد أمامك "طابوراً" طويلاً ممتداً لأمتار عدة مع أشعة الشمس التي تتفنن في تعذيبك، نجد بعض الأشخاص في أول الصفوف لا نعلم متى جاؤوا؟
وفجأة يغادرون الطابور بشكل غير متوقع، أتذكر عندما ذهبت لمعرفة موقفي من التجنيد كنا جالسين لساعات نشعر بالملل الشديد، وفي خضم كل ذلك أجد أصوات الضحكات تتعالى من البعض، لأكتشف أنهم قد كونوا صداقات وبدؤوا في كسر الملل بوصلات من الحكايات الجانبية المتواصلة، ولا أعلم كيف فعلوا ذلك.. ولكنهم فعلوها.

وأحياناً يقودني حظي العاثر مضطراً إلى ركوب أحد "الأوتوبيسات" المكتظة بالركاب، لأتفاجأ بمجموعة من الشباب ذوي الأصوات المرتفعة في المزاح، أو راكباً آخر يحمل هاتفاً لا يتوقف عن الكلام أبداً حتى انتهاء الرحلة، ولا أعرف كم يدفع شهرياً من أجل الاتصال بالأطراف الأخرى، ولا أعلم كيف تتحمل أذناه ولسانه كل هذا الحديث..

وهكذا وجدت في كل رحلة معاناة شعب آخر يصنع المتعة من الألم، شعب لا يعرف الألم بل وقد يتكيف معه في كل صورة، ولا أخفي عليكم.. فهؤلاء هم الناس الرايقة حقاً.

* كاتب مصري