عبدالرزاق بشير الهويدي: الضفاف التي تنتظر المطر (1) - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

عبدالرزاق بشير الهويدي: الضفاف التي تنتظر المطر (1)



عبدالرزاق بشير الهويدي *

حيث يبدأ الانتظار

حاولتُ جاهداً، يا سيدتي، أن أستعيد ظلال أنوثتك كما كانت، أن أرسم على جسدك قصائد لا تشبه المألوف، أن أُعيد إلى كيانك ثورته الأولى قبل أن تنطفئ المصابيح وتتوقف عقارب القلب عن الدوران.

حاولتُ أن أعيد إليكِ ما سقط منكِ دون أن تشعري، أن أوقظ فيكِ ناراً ظننتِ أنها انطفأت، أن أرسم على جسدكِ خريطةً جديدةً للحياة… لكنكِ كنتِ أكثر عناداً من الزمن، أكثر صلابة من صخرة نسيها المد على ضفافٍ تعبت من الانتظار.

تحايلتُ على الحروف، أطلقتها في فضائكِ كطيور مهاجرة تبحث عن دفء، خرجتُ بكِ عن المألوف، دفعتكِ نحو حافة المغامرة، لكنكِ كنتِ كقصيدة لم يكتمل وزنها، كنغمة لم تجد مقامها، كليل فقد قمره في غفلة العشاق.

أيتها المرأة التي بيني وبينها حكايات بلا نهايات، وخطايا لم تُغفر، ورسائل في الهوى لن تُرَد… أخبريني، كيف أُنقذكِ من الظل الذي صار رداءكِ؟ كيف أُعيد لوجهكِ إشراقه الأول، ولعينيكِ بريقها الذي كان يُشعل الليل فوق ضفافٍ كانت تعرف وهجها؟
وحدي، لا أستطيع أن أُنقذ هذا الجسد الذي صار أسير الركود، ولا هذا النهد الذي كان يوماً عرشاً للفتنة، ولا هذه الشفاه التي اعتادت أن تملي على الرجال أحكامها.

أعرف كم خبأتِ خلف ضفائركِ من وجع، كم دفنتِ بين أنفاسكِ من حسرات، وكم أنفقتِ من ليالٍ في الانتظار… لكن الزمن، يا فاتنتي، لا يلتفت إلى الخلف، والأنوثة إن تأخرت عن موعدها أحرقتها الشمس.

عودي، أرجوكِ، إلى مملكتكِ التي كنتِ فيها الحاكمة بأمر الفتنة، حين كنتِ تتعطرين لا لغيركِ، بل لأنكِ تحبين أن تملكي العطر، وحين كنتِ تتمايلين لأن الأنوثة لا تسير مستقيمة أبداً، وحين كان الأحمر يليق بجدرانكِ كما يليق بامرأة وُلد ليلها من نار.

أنتِ التي كنتِ تختارين بعناية لون قميص الليل، تمشطين شعركِ وكأنكِ تجهزينه للغزو، ترسمين على أظافركِ خرائط الشهوة، وتمضين كالعاصفة، لا تبالين بمن يسقط تحت قدميكِ.

كنتِ لا تعرفين التردد، لا تحترفين الانتظار، ولا تقبلين القسمة على اثنين… فكيف صرتِ هكذا؟ 
ماذا بوسعي أن أفعل، وأنا وحدي على جبهاتكِ أحارب، أقاتل كي أُبقي على آخر شرنقة حرير، كي أُعيد لكِ التاج الذي ألقيتهِ بإرادتكِ؟
إن لم تنتفضي أنتِ، فلن يستطيع أحد أن يُعيد إليكِ وهجكِ الأول، ولن تعود إليكِ نار العشرين…

لكن، برغم كل شيء، سيبقى عشقي لكِ، يا سيدتي… شرقيّ، همجيّ، عفويّ، كما كان يتراقص بين نبضات الزمن، وكما سيظل يضيء قلبي رغم كل السنين…
وكما أريدكِ أن تكوني… مدينةً تعود إلى قلبها، وامرأة تعود إلى نورها.

عودي كما تعود الشمس بعد الغياب، لا لتضيئي لي، بل لتضيئي العالم الذي ينتظركِ.

* كاتب سوري





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.