محمد عوض الجشي: طعمية الفلافل - al-jesr

Last posts أحدث المشاركات

الاثنين، 2 يونيو 2025

محمد عوض الجشي: طعمية الفلافل

 


محمد عوض الجشي

إن دار بك الزمان دورة وغلب عليك الجوع مرة.. وطالت جيوبك قروشاً عابرة.. سترضى بـ(طعمية فلافل) وتكفي عدة أقراص معدودة وإن خلت من المخلل أو الطحينية.

نعم.. ما لبث أن مضى إلى (كافتيريا) محلية تعج بالغادين والرائحين.. وبين أيديهم فطائر وشطائر تفوح روائحها وتلهب الجائعين من الصغار والكبار وحتى اليافعين.

هي صحون تتدلى.. بطاطا مقلية.. ومناقيش شهية.. أجبان، ألبان، محمرة، زعتر وسبانخ طرية.. إضافة الى أطباق الدجاج المتبل والمبهر، وتبدو أجنحة الشواء مقرمشة تتدلى شهية.

هم ثلاثة من النادلين يتلمسون بأيديهم طيّ طلبات إثر طلبات، هذا ناهيك عن أن صندوق النقود ما إن يفتح فاه حتى يعاود الإغلاق، كأنه مؤشر أسهم شركات.

إنهم فريق من الطهاة ملبين طلب زبائن في سرعة من دون إرباك.. وكثير من الأحايين يتناسون الطلبات الصغيرة حتى تبدو ضئيلة أمام الصواني الكبيرة والمتوسطة التي تتخللها السلطات والعصائر والكبير من السندويشات والأكياس المحشوة.. سفر و(سَفَاري) كي يلتقطها سائقوو الدراجات (ديلفري – ديلفريات).. هاك صينية شاورما بين الدجاج واللحم، وهاك مشروبات مثلجة وأخرى ساخنة من الشاي والزنجيل و(السليماني) و(الكرك) وغيرها.. إذ تبدو صواني المحاشي والكواج وأصناف شتى من الطعام المتنوع المطبوخ والساخن لتوه يسيل لها اللعاب بلا حساب.

انه (الكاشير).. ما إن يعزف على سمفونية أي طلب حتى يبادر لينادي بأعلى الصوت... (فلافل.. طعمية).. حتى ظننت أنه يتجاوز طلبات قبلي وبعدي.. ثم يغدو..

ثوانِ معدودة، ويجلس صاحبنا على أريكة ينتظر (الطعمية)..  ينتظر.. تمر الدقائق وتتبعها أخرى سريعة.. تمضي عشر دقائق إلى عشرين وربما نصف ساعة. وما فتئ طالب (الطعمية – فلافل) جالساً يبلع ريقه.. يستمرئ طعم الطعمية كي يسد بها الرمق من جوع كاسر.

إنها طلبيات تترى لا تتوقف هنيهة، خاصة في أوقات الذروة ظهيرة وعشياً.. صحون وعصائر وسندويشات وأكياس تلو أكياس..  وصاحبنا ينتظر دوره.. لم ينبس ببنت شفة كونه على غير عجل.. ولعل روائح الطعام قد استفحلت في أنفه وجعلته يستمضغ الشبع مراراً وتكراراً، خاصة حينما يرى أمام عينيه صحون الطعام المشكلة التي تفوح منها روائح الشواء في أرجاء المطعم وممراته.

نظر حوله.. الجميع في سباق دائري لتلبية الزبائن من دون اكتراث ولا واحد من العاملين يرمق صاحبنا ولو بنظرة عابرة.. كأنه (فاترينة في المحل).. الكاشير لم يهدأ لحظة يستلم نقوداً ويعد نقوداً.. وكذا حال النادلين لسانهم كحالهم يناوشون الطهاة في صولات مكررة صحن شورما مع بطاطا.حارة.. دون كاتشاب.. صحن فلافل مع طحينية.. صحن (فول مكهرب).. صحن حمص بيروتي.. صحن (يالنجي سوري مشكل).. صحن بطاطا مصري مهروسة.. عصير التوت البري، مانجو، عصير الليمون الطبيعي، أفوكادو مع عسل أصلي.. إلخ..

لم يضق صدر صاحبنا من هذا الصنيع.. أخذ يبتسم ناظراً إلى الجميع محدثاً نفسه.. الجميع في مهب العاصفة.. أجل الطلب الصغير لا يلتفت إليه أحد! (طلب الطعمية) لا يسمن ولا يغنى من جوع .. ويظل ملقى على الهامش.. مهمشاً. لا أحد يعيره اهتماماً.. ومما زاد في تبسم صاحبنا أنه ظل يسمع مراراً وتكراراً من النادلين أين طلب الطعمية؟ ماذا حصل لطلب الطعمية؟ وإذ بالكاشير يشاركهم قائلاً: (شو صار بالطعمية؟)،  ولايزال صاحبنا يبتسم ويبتسم شدقاً كلما سمع (السمفونية الجماعية) (شو صار بالطعمية؟) ثم راح يضحك حتى بدت نواجذه.. حتى لاحظته فتاة نادلة، وبادلته التبسم البريء.. تبسمت.. ضحكت وجنتاها وحركت يديها تشير إليه أن (طعمية الفلافل) جاهزة في ثوان.

نعم.. استمر صاحبنا يضحك ويضحك.. يبتسم تارة ويلتفت تارة أخرى، ينظر إلى رواد المطعم والنادلين والطهاة والعاملين.. ويرسل تحية إلى الكاشير الذي لا يعرف كنهها وماهيتها.. نظراً لانشغاله في استلام النقود وعدها.. وما فتئ صاحبنا ينتظر ملهوفاً إلى الطعمية.. لعله يسد بها رمقه ويطفئ بها نار جوعه.

والسؤال المطروح في حينه.. هل تكفي الطعمية لإخماد غول الجياع؟ أو أن الابتسامات كفيلة لجعل أصحابها شباع؟

لنسأل.. صاحبنا لعله يجيب أو أجاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.